وتوقف ثالث ، قائلا ان الحق انه لم يعلم من حال الشارع غير أصل الاستعمال. واما طريقه فغير معلوم ، لأن أدلة الطرفين في غاية الضعف ، وتبادر هذه المعاني لنا غير مفيد ، إذ يحتمل ان يكون ذلك لأجل الاشتهار عندنا.
هذا. والأظهر عندي هو القول الأول وعليه من بين تلك الأقوال المعول ، ولنا عليه دليل التبادر الذي هو عندهم امارة الحقيقة ومعيارها وعليه في جميع الأحوال مدارها. وما قيل ـ في الجواب عن ذلك ، من ان التبادر المذكور عند سماع هذه الألفاظ ، ان كان بالنظر الى إطلاق الشارع فهو ممنوع بل هو أول المسألة ، وان كان بالنظر الى إطلاق المتشرعة فهو غير مفيد قطعا ، لان اللازم حينئذ كونها حقائق عرفية لا شرعية ـ مردود بان من صفا ذهنه من شوب الشبهة والعناد وكان له انس بكلام الشارع ولو في أكثر المواد ، يعلم قطعا ان الصدر الأول ـ من الصحابة والتابعين وجملة السلف المتقدمين ـ كانوا متى حكى النبي (صلىاللهعليهوآله) عن الله سبحانه وصف أحد بالايمان أو الكفر أو الشرك أو حصل منه (صلىاللهعليهوآله) الأمر بصلاة أو زكاة أو حج أو طهارة أو المنع عن النجاسة أو نحو ذلك ، يفهمون بمجرد إطلاق هذه الألفاظ المعنى الشرعي منها متى تقدم لهم العلم بالوضع ، ومن أنكر ذلك نسأل الله سبحانه ان يصلح وجدانه ويثبت جنانه.
ومن الأخبار الدالة على ذلك موثقة سماعة (١) قال : «سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن؟ فقال : نعم. قول الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا.) (٢). الحديث».
إلا ان الظاهر ان الخلاف في هذه المسألة قليل الجدوى ، لاتفاقهم على ان
__________________
(١) المروية في الوسائل في باب ـ ٥ ـ من أبواب الركوع من كتاب الصلاة.
(٢) سورة الحج. آية ٧٨.