لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين عليه السلام ، فسئل عن بصره؟ فقال : كنت شهدت قتله ، عاشر عشرة ، غير أنّي لم أطعن برمح ، ولم أضرب بسيف ، ولم أرمِ بسهم ، فلما قتل ؛ أجب رسول الله! فقلت : ما لي وله؟ فأخذ بتلبيبي وجَرّني إليه ، فإذا النبي جالس في صحراء حاسر عن ذراعيه ، آخذ بحربة ، وملك قائم بين يديه ، وفي يديه سيف من نار يقتل أصحابي التسعة ، فكلما ضرب ضربة إلتهب أنفسهم ناراً ، فدنوت منه وجثوت بين يديه ، وقلت : السلام عليك يا رسول الله. فلم يردَّ عليّ ، ومكث طويلاً ثم رفع رأسه وقال : يا عدو الله إنتهكت حرمتي ، وقتلت عترتي ، ولم ترعَ حقي ، وفعلت وفعلت؟! فقلت : يا رسول الله ، ما ضربت بسيف ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت بسهم ، فقال : صدقت : ولكنّك كَثّرت السواد ، إدني مني! فدنوت منه ، فإذا طست مملوء دماً ، فقال لي : هذا دم ولدي الحسين ، فكحّلني من ذلك الدّم فإنتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً» (٤٧٤).
٣ ـ الحَدّاد الكوفي :
ذكر الشيخ الطريحي (ره) في كتابه (المنتخب) : «حكي عن رجل كوفي حَدّاد قال : لما خرج العسكر من الكوفة لحرب الحسين بن علي عليهما السلام ، جمعت حديداً عندي وأخذت آلتي وسرت معهم ، فلما وصلوا وطنبوا خيمهم ؛ بنيت خيمة وصرت أعمل أوتاداً للخيم ، وسككاً ومرابط للخيل وأسنة للرماح وما إِعْوَجّ من سنان أو خنجر أو سيف ، كنت بكل ذلك بصيراً فصار رزقي كثيراً ، وشاع ذكري بينهم حتى أتى الحسين مع عسكره فإرتحلنا إلى كربلاء وخيمنا على
__________________
(٤٧٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ٣٠٦.