والمعابد بجملتها مظهر عظيم من مظاهر خشوع البشر إلى الخالق وإشعار القلوب هيبة جلاله وإيناسها بمناجاته في مواقيت خاصة أو عامة وفي أوقات عروض مصائب الدنيا ونوائبها ، وهي خير مزك للنفوس وأعظم راد لها إلى حظيرة الذكر والفكر وأكبر كابح لها من نزوات غلوائها وهواجس خيلائها.
المعابد التي يذكر الله فيها مجردة عن كل ما يصرف النفوس عن التفكير بجلاله وجبروته وهي من أفضل ما يقرب إليه زلفى ويشعر القلوب بعظمته التي لا تتناهى.
وبعد فإن لكل أرباب عقيدة ونحلة وأتباع دين وملة بيوتا يأوون إليها في تعظيم ما يعتقدونه ، وإذا كانت تشاد الأندية وتعقد المحافل على اختلاف أغراضها وأهدافها ، فأحرى بأن يكون للعبادة وهي أظهر شعائر الأديان والصلة بين الخالق والمخلوق ، وأن تشاد لها المعابد ، من صوامع وبيع وجوامع وخلوات وزوايا وخوانق وروابط وأديار وقلايات (١).
الأديار بيوت الزهد والنسك
ظهرت الديانة المسيحية بظهور سيدنا المسيح عليهالسلام ، وقد امتلأت الدنيا ظلما وجورا وصلفا وكبرياء ، وكادت عبادة الأصنام والأوهام تشمل الأرض وانصرفت الأنفس إلى المادة انصرافا كاد يقطع الصلاة بين الخالق والمخلوق وكادت شريعة موسى عليهالسلام والعمل بتعاليمها ينسخان من البشر ما اقتضت الحكمة الإلهية حيال هذا الابتعاد عن أصول الشرائع السماوية والانغماس في حمأة المادة والانقطاع عن حياة الروح ابتعاث نبي يردهم
__________________
(١) القلايات : مفردها القلّاية (معربة عن اليونانية) وهي مسكن الأسقف ومعناها في اليونانية مخدع. Dozy : Supple؟ment aux Dictionnaires Arabe ٢ : ٩٠٤ وانظر معجم البلدان ٤ : ٣٨٦ «بناء كالدير».