الذين تعودوا خوض غمرات الوغى على الطامعين بإخضاعهم والاستيلاء على بلادهم ، وحسبك أن الولاة العثمانيين في الشام وعكا وصيدا كانوا يستنفرون أحيانا كثيرة إلى حربهم ولاة الشوف وحكام فلسطين ، ومرات يحشدون عليهم الجيوش الجرارة من أكثر الأقطار الشامية ، ويغزونهم في عقر دورهم ، كما جرى في حرب كفررمان التي خرجوا منها ظافرين (١).
وقد استعزّ الشيخ ظاهر العمر الزيداني باتفاقه معهم. كما استعزّوا بحلفه ، وكان له ولهم من الشأن ما عرفه لهم مؤرخو ذلك العهد ، ورواه المؤرخ الأمير حيدر الشهابي فقال : «وكان (ظاهر العمر) متفقا مع مشايخ المتاولة حكام مدينة صور وبلاد بشارة. وكان في تلك الأيام أعظمهم جاها وأكثرهم مالا ورجالا الشيخ ناصيف النصار ، وكان تحت يده حصون منيعة ، وأبطال أشداء ، فطابت لهم الأيام ، وغفلت عنهم حكام بلاد الشوف من الغارات والغزوات المعتادة بينهم» (٢).
طوى صحيفة استقلال جبل عامل أحمد باشا الجزار سنة ١١٩٥ و/ ١٧٨٠ م وعلى رواية الأمير حيدر ١١٩٧ ه / ١٧٨١ م (٣). أما البلاء الذي استقبله العامليون من ذلك الظالم منذ إزالة حكم امرائهم إلى مهلكه ١٢١٩ ه / ١٨٠٤ م وما أصابهم منه من التنكيل والتشريد والتخريب فلم يسبق له مثيل.
استرد حكم البلاد إلى أمرائهم في ولاية سليمان باشا وعبد الله باشا (٤) ، وأعيد إليهم ما صادره الجزار من أملاكهم وامتد هذا الحكم إلى
__________________
(١) أنظر كفر رمان.
(٢) الغرر الحسان في تواريخ لبنان. طبعة مصورة عن طبعة مصر سنة ١٩٠٠ دار الآثار ـ بيروت لات ، ص ٨٠١.
(٣) المصدر السابق ، ص ٧٣٨ ـ ٧٤١.
(٤) في بعض المخطوطات : عبد الله باشا بن علي باشا حكم بعد موت سليمان باشا سنة ١٢٣٥ و ١٢٧٠ ه حكم المتاولة بلادهم (سليمان ظاهر).