سنة ١٢٨١ ه / ١٨٦٤ م ، وفي أثنائه كانت بلاد الشام تخوض بحارا من الفتن (١) ، وحلّ في جبل عامل سنة ١٢٥٠ [١٨٣٤ ـ ١٨٣٥ م](٢) من الظلم المريع بسبب النظام العسكري الذي أدخل إلى بلاد الشام ما لا تبرك عليه الإبل.
وبعد فإن نكبات الحروب التي عانتها البلاد الشامية قديما وحديثا من الغزاة والفاتحين ، وتعاقب السلطات المختلفة عليها كان منها لجبل عامل القسط الأكبر. وعانى كثيرا من أهوال الحروب الصليبية لاتخاذ المحاربين له ميدانا للهجوم والدفاع من هنا وهناك ، وألقاه في هذه المهاوي البعيدة القعر قربه من البحر ، ومنعته الطبيعية بجباله التي تزل عنها العصم ، وقلاعه الكثيرة الحامية عوراته من طموح الغزاة.
إن يد التخريب لم تنل منه في الحروب الصليبية ، وهو مجرى العوالي ومجرى السوابق ، ما نالته منه القرون الأخيرة ، ولا سيما أيام الجزار التي كانت كلها شؤما عليه ، وهو يراه معترضا في سبيل مطامعه اعتراض الشجا في الحلق ، وحدوده الجنوبية متاخمة لقاعدة حكمه عكاء ، فكان همه خضد شوكته فنال منه في مدة سلطانه ما لم تنله منه القرون الكثيرة ، قلنا إن يد التخريب لم تنل منه في الحروب الصليبية ما نالته منه في القرون الأخيرة ، وإليك البرهان في مثالين من حالة جبل عامل في الحروب الصليبية ، وفي الثورات الأهلية في أزمنة الحكم الاقطاعي.
أما المثال الأول فنرويه عن ابن جبير (٣) في وصف بلاد جبل عامل في
__________________
(١) إشارة إلى فتنة ١٨٦٠ بين الدروز والموارنة.
(٢) في عهد حملة إبراهيم باشا.
(٣) عن رحلته التي تبتدي بشوال سنة ٥٨٢ [٥٧٨] وتنتهي بمحرم سنة ٥٨٧ [٥٨٢] ص ٢٨٤ سليمان ظاهر.
[والرحلة عن طبعة بريل بليدن ، مطبعة السعادة مصر ط ١ ١٩٠٨ م.