ووصف جزين في ذلك العهد فقال : «وقد كانت جزين في ذلك العهد قصبة مهمة محشورة بالسكان ، وفيها جامع كبير ومنارة رفيعة ، وكان في جزين اثنا عشر شيخا من العلماء الأفاضل ، ولذا كنت ترى جزين محطا لرحال طليعة العلم ومنتجعي الأدب ، ولذلك جعلوا يشمخون بأنافهم على الدروز وتحدثهم أنفسهم ببسط كف السيادة عليهم ، فكثرت بين الطائفتين الحوادث والمنازعات التي آلت إلى استعار نار حرب كانت سببا في تقلص ظل المتاولة عن معظم أنحاء جزين الثلاث ، أي اقليمي جزين والتفاح ، وجبل الريحان» (١).
ثم تحدث عن الحرب بين المتاولة والدروز فقال : «وخلاصة القول أنه في سنة ١١٧١ ه / ١٧٥٧ م أخذ المقدم علي يكتب الكتائب ويجيش الجيوش في جزين ، ثم وافاه الشيخ جهجاه برو والشيخ علي جواد بجيشين من متاولة جبل الريحان وأقليم التفاح ، وهكذا فعل الأمير يوسف شهاب والشيخان خطار يونس جنبلاط (صاحب الخريبة) وعبد السلام عماد (صاحب الباروك) فقد جيشوا من أهالي الشوف عسكرا عرمرما ثم زحف العسكران كل نحو الآخر فالتقيا تحت قلعة نيحا واقتتلا ساعة من الزمن دارت فيها الدائرة على الدروز ، فتقهقروا إلى نبع باتر فلما وصلوا إلى المحلة المذكورة إذ باثني عشر رجلا من بني أبي شقرا [...] فاخترطوا سيوفهم وهجموا صادمين عسكر المتاولة صدمة ارتجت لها جوانبه [...] وما لبث العسكر الدرزي أن لم شعثه وأعاد الكر والهجوم [...] فرجع المتاولة القهقرى وتبعتهم الدروز حتى أدخلوهم جزين وكانت الشمس قد دنت من الغروب ، فتمنعوا وراء جدران قصبتهم وجعلوا يدافعون عن حياضهم دفاعا شديدا جدا غير أن الدروز وقد رنحتهم خمرة الظفر لم يألوا جهدا من مضايقة
__________________
(١) المصدر نفسه ص ١٥١.