نبيه من كيد المشركين.
وعليه فلا يمكن أن تكون الآية واردة في مقام مدحه وتقريظه ، ولا بد من حمل النهي على ما هو ظاهر فيه ، ولا يصرف عن ظاهره إلا بقرينة ، بل ما ذكرناه يكون قرينة على تعين هذا الظاهر.
ولا يقاس حزن أبي بكر بحزن النبي «صلى الله عليه وآله» ، والمشار إليه بقوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) وغيرها ، لأن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما كان يحزن من أجل ما يراه من العوائق أمام دعوته ، والموانع التي تعترض طريق انتشار وانتصار دينه ، لما يراه من استكبار قومه ، ومقامهم على الكفر والطغيان.
فالنهي له «صلى الله عليه وآله» في الآية المتقدمة ، ولموسى «عليه السلام» في آية أخرى ، ليس نهي تحريم ، وإنما هو تأنيس وتبشير بالنصر السريع لدينه ، وللتنبيه على عدم الاعتناء بقولهم ، وعدم استحقاقهم للحزن والأسف.
فحزن النبي «صلى الله عليه وآله» هنا يدل على عمق إيمانه ، وفنائه في ذات الله تعالى ، وهو لا يقاس بحزن من يحزن من أجل نفسه ، ومن أجل نفسه فقط.
والآيات صريحة فيما نقول : فنجد آية تقول : إنه «صلى الله عليه وآله» كان يحزن لمسارعة قومه في الكفر : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ..)(١) و (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ)(٢) وأخرى تقول إنه يحزن لما بدا له من تكذيبهم
__________________
(١) الآية ١٧٦ من سورة آل عمران ، والآية ٤١ من سورة المائدة.
(٢) الآية ٢٣ من سورة لقمان.