فلما فتحت مكة واستسلمت قريش عرفت العرب أنها لا طاقة لها بحرب رسول الله ولا عداوته ، فدخلوا في الدين أفواجا (١).
بل إنه «صلى الله عليه وآله» حينما كان يعرض دعوته على القبائل كانوا يردون عليه أقبح الرد ، ويقولون : أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك (٢).
وهذا يدل على أن الخوف من قريش لم يكن هو الدافع الوحيد للامتناع عن الدخول في الإسلام ، لا سيما وأن الكثيرين من العرب كانوا بعيدين عن مكة ، ولا يخشون سطوتها.
ونقطة أخرى لا بد من الإشارة إليها ، وهي أن تحرك النبي «صلى الله عليه وآله» وعرض دين الله على القبائل ، وهجراته المتعددة في سبيله ليعتبر إدانة للمنطق القائل : إن على صاحب الدعوة : أن يجلس في بيته ، ولا يتحرك ، وعلى الناس أن يقصدوه ويسألوه عما يهمهم ، ويحتاجون إليه.
بنو عامر بن صعصعة ، ونصرة النبي صلّى الله عليه وآله :
ونشير هنا إلى واقعة هامة ، حدثت في خلال عرض النبي «صلى الله عليه وآله» دعوته على القبائل ، وهي :
أن رسول «صلى الله عليه وآله» قد أتى بني عامر بن صعصعة ، فدعاهم إلى الله ، وعرض عليهم دعوته فقال لهم رجل منهم ، اسمه : «بيحرة بن فراس» : والله ، لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب.
__________________
(١) راجع الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٨٦ و ٢٨٧.
(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣.