تذييل جليل فيه شفاء للقلب العليل :
[١١٤] [أحوال بعض الواقفين] :
يروى أن الفضيل ابن عياض رحمهالله تعالى وقف في بعض حجّاته ولم ينطق بشيء ، فلما غربت الشمس قال : واسوأتاه وإن غفرت لي.
وعن بشر الحافي رحمهالله تعالى قال : رأيت رجلا عشية عرفة غلبه الوله وهو يبكي وينتحب انتحابا شديدا وهو يقول :
سبحان من لو سجدنا بالعيون له |
|
على شبا الشوك والمحمى من الإبر |
لم نبلغ العشر من معشار نعمته |
|
ولا العشير ولا عشرا من العشر (١) |
وأنشد أيضا :
كم قد زللت ولم أذكرك في زللي |
|
وأنت يا مالكي بالغيب تذكرني |
كم أكشف الستر جهلا عند معصيتي |
|
وأنت تلطف بي حلما وتسترني |
قال : ثم غاب عني وحجب فلم أره ، فسألت عنه فقيل لي : هو أبو عبيدة الخواص له سبعون سنة ما رفع وجهه إلى السماء ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني لأستحي أن أرفع إلى الحسن وجها مسيئا (٢).
فواعجباه من مطيع يتذلل ويستحي مع إحسانه! ومن عاص لا يتذلل ولا يستحي مع عصيانه.
__________________
(١) رواها ابن الجوزي في مثير العزم بقوله : «رأيت على جبال عرفة رجل قد ولع الوله ..» وفي البيت الأول (على شبا الشوك) ، وفي البيت الثالث بلفظ (وأنت يا سيدي) ٢ / ٢٥٩.
(٢) في مثير العزم «.. منذ سبعين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عزوجل» المصدر السابق.