[قال ابن عساكر :](١) لما سمعنا هذه الحكاية من شيخنا أبي بكر وجيه الشّحّامي أنا والشيخ أبو سعد بن السمعاني رحمهالله في بيت ابنه يوسف بن وجيه ليلا كأنّا استبعدنا صحتها وأنكرناها لحال البلوى في إسنادها ونمنا فلما استيقظنا ذكر لنا الشيخ وجيه أنّه رأى في نومه النّبي صلىاللهعليهوسلم أو الشّافعي ـ أنا أشك ـ وهو يقول : أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون؟ أو كما قال.
أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمّد الفقيه ، أنبأنا أبو البركات بن طاوس ، أنبأنا أبو القاسم الأزهري ، أنبأنا أبو علي بن حمكان ، حدّثنا محمّد بن الحسن النقاش ، حدّثنا أبو الحسن مهران بن هارون بالري ، حدّثنا أبو موسى هارون بن يزيد ، حدّثنا أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي ، قال :
استحضرني ذات يوم أمير المؤمنين الرشيد ، فلمّا دخلت عليه دفعني وأدناني منه ، وإذا المجلس فيه جمع عظيم ومحمّد بن الحسن الفقيه جالس ، فلمّا سكن روعي ، قال لي : أتدري لم أحضرتك يا أبا الحسن؟ فقلت : لا يا أمير المؤمنين ، جعلني الله فداك ، قال : إنّي أحضرتك لأمر سرّني ، فأحببت أن أسرّك به أيضا ، فقلت : سرّك الله في جميع الأمور ، ووقاني فيك كلّ محذور ، فقال : إنّي رأيت البارحة فيما يرى النائم سيدي وابن عمي رسول الله صلىاللهعليهوسلم كأنه قد دخل عليّ في البيت الذي كنت فيه وقائل يقول لي : يا هارون هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد دخل عليك ، فلما بصرت به وقعت عليّ الرعدة ، وأخذني الزّمع (٢) واعتراني البكاء ، وسقطت على وجهي ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى وقف عليّ وقال لي : ارفع رأسك يا هارون وأبشر ، فإنّ الله قد شكر لك خوفك منه ، ولجاك إليه ، فغفر لك ورحمك فلا خوف عليك ، وإن الله قد جعل الخلافة في ذرية ولدك محمّد إلى أن تقوم الساعة ، فرفعت رأسي وأقبلت أحمد الله ، وأثني عليه ، وإذا بمحمّد بن إدريس الشّافعي يده في يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكأنّي قد غبطته بمكانه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا هارون أتعرف هذا؟ فقلت : نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، هذا الشّافعي فقال : نعم ، هذا المطّلبي ، هذا سيد المسلمين ، الفقيه الورع ، أفهمت يا هارون؟ فقلت : نعم يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال لي : استوص به خيرا ، فإنّه على الحقّ مع سنّتي ، وإن الله سينفع به بشرا كثيرا ، ثم أقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الشافعي
__________________
(١) زيادة منا للإيضاح.
(٢) الزمع : شبه الرعدة تأخذ الإنسان إذا همّ بأمر. أو من خوف ونشاط (تاج العروس : زمع).