أن احمل هؤلاء واحمل الشّافعي معهم ، قال : فاقترنت معهم ، فلمّا أن قدمنا على هارون.
قال أبو المجاهد : قال الشّافعي : فحدّثني بعض أصحابنا من أهل العلم عن محمّد بن زياد المدني وكان يديم مجلس هارون فقال : كنت جالسا عند هارون حين أدخل عليه الطالبيون والشّافعي وعنده محمّد بن الحسن ، فدعا هارون بالنّطع (١) والسيف يضرب رقاب العلوية ، قال : ثم التفت محمّد بن الحسن فقال : يا أمير المؤمنين هذا المطّلبي لا يغلبك بفصاحته ولسانه فإنه رجل لسن ، قال : فقلت : يا أمير المؤمنين فإنّك الداعي وأنا المجيب الدعاء ، إنّك القادر على ما تريد مني ، ولست القادر على ما أريد منك ، يا أمير المؤمنين ما تقول في رجلين أحدهما يراني أخاه ، والآخر يراني عبده أيّما أحب إليّ؟ قال : الذي يراك أخاه ، قال : قلت كذاك أنت يا أمير المؤمنين ، فقال لي : كيف ذلك؟ قال : قلت : يا أمير المؤمنين إنّكم ولد العباس ونحن بنو المطّلب ترونا إخوانكم ، وولد علي هم يرونا عبيدهم قال : فسرّي ما كان به واستوى جالسا ، وقال : يا بن إدريس كيف علمك بالقرآن؟ فقلت : يا أمير المؤمنين عن أيّ علومه تسألني؟ عن حفظه فقد حفظته ووعيته في جنبي وعرفت وقفه وابتداءه ، وعدده مكّية ومدنيّه ، وكوفيّه وبصريه ، وقد عرفت ناسخه ومنسوخه ، وليليه ونهاريه ، ووحشيّه وأنسيه ، وسهليه وجبليّه ، وما خوطب من العام يريد به الخاص ، وما خوطب من العام يراد به العام.
فقال لي : والله يا بن إدريس لقد ادّعيت [علما](٢) فكيف علمك بالنجوم؟ فقلت : إنّي لأعرف منها البرّي والبحري ، والسهلي والجبلي ، والفيلوج (٣) والمصبح (٤) ، وما يجب معرفته ، قال : فكيف علمك بأنساب العرب؟ فقلت : إنّي لأعرف أنساب اللئام وأنساب الكرام ، ونسبي ونسب أمير المؤمنين ، فقال : والله لقد ادّعيت علما فهل من موعظة تعظ بها ، قال : فذكرت موعظة لطاوس اليماني فوعظته بها ، فبكى ، ثم أمر لي بخمسين ألفا وحملت على فرس وركبت بين يديه وخرجت ، فما وصلت الباب حتى فرقت الخمسين ألفا على حجبة أمير المؤمنين وبوابيه ، قال : فلحقني هرثمة وكان صاحب هارون بعشرين ألفا فقال : خذ هذه واقبلها مني ، فقلت له : إنّي لا آخذ العطية ممن هو دوني ، وإنّما آخذها ممن هو
__________________
(١) النطع : بساط من الأديم.
(٢) الزيادة للإيضاح عن معجم الأدباء.
(٣) كذا بالأصل وم وت ود ، وفي معجم الأدباء : والفيلق ، وكتب بهامشه : «بهامش الأصل : كلمة يونانية».
(٤) في م : والمصباح.