وقبّلنا يده قال : وكان أمامي رجل من الطالبيين يلقب بكلب الجنّة ، وكان طيبا ظريفا ، فلما دنا من المأمون قبّل يده فقال له المأمون كالمشير (١) إليه : كيف أنت يا كلب الجنّة؟ أما الدنانير والدراهم والزينة فلعمرو بن مسعدة (٢) وأبي عبّاد (٣) وأمّا الطّنز (٤) والتحميز (٥) فلبني هاشم فرد المأمون كمّه على فيه وقال : ويلك كف لا تفضحني ، قال : لا والله أو تضمن لي شيئا تعجّله لي ، قال : العشيّة يأتيك رسولي ، فأتاه عمرو بن مسعدة بثلاثين ألف درهم.
قال (٦) : ونا عبد الباقي بن قانع ، نا محمّد بن زكريا ، نا محمّد بن عبد الرّحمن ، حدّثني هذا الهاشمي قال : ركب المأمون يوما إلى المطبق وبلغ القواد ركوبه فتبعوه ، قال :
فكان كلب الجنّة ممن ركب تلك العشية قال : فبصر به المأمون وبيده خشبة من حطب الوقود ، وفي اليد الأخرى لحافه فقال : كلب الجنّة ، قال : نعم كلب الجنّة بلغه ركوبك فجاء لنصرتك ، والله ما وجدت سلاحا إلّا هذه المشقّقة من حطب البقّال ، ولا ترسا إلّا لحافي هذا ، وعياش بن القاسم في بيته ألف ترس ، وألف درع ، وألف سيف قائم غير مكترث فوصله بثلاثين ألفا ، وجاء عياش يركض فشتمه المأمون وناله مكروه.
أخبرنا أبو عبد الله الخلّال ، أنا أبو طاهر بن محمود ، أنا أبو بكر بن المقرئ ، قال : سمعت المظفّر بن سعيد قال : سمعت محمّد بن (٧) يحيى الصولي ، حدّثني أبو علي الكيّال صاحب بدر ، حدّثني ابن أبي فنن ، حدّثني عمرو بن سعيد قال :
كنت في نوبتي في الحرس في أربعة آلاف إذ رأيت المأمون قد خرج ومعه غلمان صغار ، وشموع ، فعرفته ، ولم يعرفني ، فقال : من أنت؟ فقلت : عمرو ـ عمرك الله ـ بن سعيد أسعدك الله ـ بن سالم (٨) ـ سلّمك الله ـ قال : أنت تكلؤنا منذ الليلة ؛ قال : الله يكلؤك يا أمير المؤمنين ، هو (خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(٩) ، وتبسّم وأنشأ يقول : شعر :
__________________
(١) في الجليس الصالح : كالمسرّ.
(٢) عمرو بن مسعدة بن سعد بن صول ، أبو الفضل الصولي ، وزير المأمون. (ترجمته في تاريخ بغداد ١٢ / ٢٠٣).
(٣) هو ثابت بن يحيى بن يسار الرازي ، حاجب المأمون (سير أعلام النبلاء ١٠ / ١٩٨).
(٤) الطنز : السخرية.
(٥) الجليس الصالح : والتجمهر.
(٦) القائل المعافى بن زكريا ، والخبر في الجليس الصالح ٤ / ٤٠٣.
(٧) «محمد بن» كتبت بالأصل فوق الكلام بين السطرين.
(٨) سورة يوسف ، الآية : ٦٤.
(٩) كذا بالأصل «سالم» وفي المطبوعة : «سلم» وسيرد في الخبر التالي «سالم» أيضا ، وفي الجليس الصالح : «سلم».