فرأى صبيا يضبط قربة ، وقد غلبه وكاؤها وهو يقول : يا أبة اسدد فاها ، فقد غلبني فوها ، لا طاقة لي بفيها قال : فوقف عليه المأمون ، فقال : يا فرخ عمه ممن تكون؟ قال : من قضاعة ، قال : من أيّها؟ قال : من كلب ، قال : وإنك لمن الكلاب ، قال : لسنا هم ، ولكنا قبيل ندعى كلبا ، قال : فمن أيّهم أنت؟ قال : من بني عامر ، قال : من أيّها؟ قال : من الأحداد ، ثم من بني كنانة ، فمن أنت يا خال ، فقد سألتني عن حسبي؟ قال : ممن يبغضه العرب كلها ، قال : فأنت إذا من نزار؟ قال : أنا من تبغضه نزار كلها ، قال : فأنت إذا من مضر ، قال : أنا ممن تبغضه مضر كلها ، قال : فأنت إذا من قريش؟ قال : أنا ممن تبغضه قريش كلها ، قال : فأنت إذا من بني هاشم ، قال : أنا ممن تحسده بنو هاشم كلها ، قال : فأرسل فم القربة ، وبادر إليه ، وقال : السّلام عليك يا أمير المؤمنين ، ورحمة الله وبركاته ، وضرب بيده إلى شكيمة الدابة وهو يقول (١) :
مأمون يا ذا المنن (٢) الشريفه |
|
وصاحب (٣) الكتيبة الكثيفة |
هل لك في أرجوزة نظيفه (٤) |
|
أطرف بها من فقه أبي حنيفة |
لا والذي أنت له خليفه |
|
ما ظلمت في أرضنا ضعيفه |
عاملنا (٥) مئونته خفيفه |
|
وما جبى (٦) فضلا عن الوظيفة |
فالذئب والنعجة في سقيفه |
|
واللص والتاجر في قطيفة |
قد سار فينا سيرة الخليفة (٧)
فقال له المأمون : أصبت يا فرخ عمه ، فأيهما أحبّ إليك ، عشرة آلاف مجلّة ، أو مائة ألف مؤجّلة ، قال : بل أدخرك يا أمير المؤمنين.
قال : فما لبثت أن أقبلت الفرسان ، فقال : احملوه ، حتى كان أحد مسامريه.
أخبرنا (٨) أبو النجم الشّيحي (٩) ، أنا أبو بكر الخطيب (١٠) ، أخبرني علي بن أيوب
__________________
(١) الشعر في تاريخ الطبري ٨ / ٦٥٥ والكامل لابن الأثير بتحقيقنا ٤ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ لشاعر من البصرة من بني تميم بن سعد.
(٢) في ابن الأثير : المنزلة.
(٣) الطبري وابن الأثير : وقائد.
(٤) الطبري وابن الأثير : ظريفة.
(٥) الطبري وابن الأثير : أميرنا.
(٦) الطبري وابن الأثير : اجتبى شيئا سوى الوظيفة.
(٧) ليس في الطبري وابن الأثير.
(٨) قدم الخبر في المطبوعة إلى ما قبل الخبر السابق.
(٩) في المطبوعة : أخبرنا أبو الحسن بن سعيد ، نا ـ وأبو النجم بدر بن عبد الله ، أنا ...
(١٠) الخبر في تاريخ بغداد ٩ / ٤١١ ضمن أخبار : عبد الله بن أيوب أبو محمد التيمي.