هما من القرآن
قطعا. وأمّا ما نقل عن ابن مسعود أنّه أسقطهما من مصحفه وأنكر كونهما قرآنا ؛ فعنه
أجوبة منها أنّ هذا النقل لم يصح عن ابن مسعود كما قال الفخر الرّازيّ وابن حزم في
المحلّى وغيرهما ، وعليه شيخ الإسلام [٦٩ أ] محيي الدّين النوويّ ، ومنها أنّه إنّما أنكر كتابتهما لا كونهما قرآنا
، لأنّه كانت السّنّة عنده أن لا يكتب في المصحف إلّا ما أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بإثباته فيه ، ولم يجده كتب ذلك ولا سمعه أمر به ، وعليه
القاضي أبو بكر وغيره ، واستحسنه ابن حجر وردّ الجواب الأول بصحة النقل عن ابن
مسعود بإسقاطهما من مصحفه من طريق أحمد وابنه وابن حبّان والطبرانيّ وغيرهم ،
ومنها أنّه لم يستقر عنده القطع بأنهما من القرآن ، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك ،
وحاصله أنهما كانتا متواترتين في عصره ، لكنهما لم تتواترا عنده لا أنهما تواترا
بعد ذلك ، لما يلزم عليه من أنّ القرآن أو بعضه ليس بمتواتر في الأصل ، وهذا
الجواب لابن الصبّاغ وهو حسن. وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن : ظن ابن مسعود أنّ
المعوذتين ليستا من القرآن لأنه رأى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعوذ بهما الحسن والحسين رضياللهعنهما فأقام على ظنه ، ولا نقول إنّه أصاب في ذلك وأخطأ
المهاجرون والأنصار [٦٩ ب] ، ومما يؤيد قوله رواية الدارقطنيّ
والبزار عنه أنّه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول : إنما أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يتعوّذ بهما فأعجبه ذلك جدا وسألني في كتابته ، ثم عنّ
لي كتابة شرح مختصر لطيف على البردة ، فكتبته في مدّة يسيرة ، وسميته «الزّبدة» ،
وآخر على آية الكرسي محرّر مطوّل ، ففرغ في مدّة يسيرة وتكمل ، وبيّضت للوزير نسخة
بالأوّل ، ففرح بها غاية الفرح ، وسرّ كثيرا وانشرح ، ثم اجتمع به قاضي العسكر
قادري جلبي ، فكلّمه
__________________