وقد كان بطلا شجاعا ، يباشر إبطال الباطل بنفسه ، ولا يخاف في الله لومة لائم ، فرزىء الإسلام به رزءا أليما ، وفقدت تريم بفقده ركنا عظيما ، وكان ـ والله ـ كما قال الأفوه الأوديّ [من الوافر] :
لقد أبقى مكانك في لؤيّ |
|
وآل محمّد خللا مبينا |
فآنس شخصك الجدث المعفّى |
|
وأوحش قبرك المتهجّدينا |
إذ كان آخر من يستحيى منه ، فانفتح بإثره للملاوم الباب ، ولم يخف منها عتاب ، وخرج الأمر عن الحساب ، ونجمت القرون (١) ، وتطلّعت الضّباب (٢).
قد كان بعدك أنباء وهينمة |
|
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب (٣) |
وتواتر عنه أنّه لم يترك الجماعة في أوّل الوقت أربعين سنة ، وعند هذا ذكرت ما أخرجه أبو نعيم [٥ / ٥٠] بسنده إلى يحيى القطّان قال : كان الأعمش من النّسّاك ، وكان محافظا على الصّلاة في الجماعة وعلى الصّفّ الأوّل.
وبه إلى وكيع قال : كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التّكبيرة الأولى. أمّا شيخنا .. فلا يتصوّر أن تفوته التّكبيرة ؛ لأنّه طيلة أيّامه إمام.
وكان المرشّح لرئاسة العلم بعده العلّامة الجليل السّيّد علويّ بن عبد الرّحمن المشهور (٤) ،
__________________
الوجود ، فلمّا أتيت بعدهم .. كان فيك من الفضل ما كان فيهم ؛ مثل الحساب ، يذكر تفاصيله أوّلا ، ثمّ تجمل تلك التّفاصيل ، فيكتب في آخر الحساب ، وكذلك أنت ، جمع فيك ما تفرّق من الفضائل والعلم والحكمة).
(١) نجمت : ظهرت وطالت.
(٢) جمع ضبّ ، لأنها تختبىء في الجحور حتى تأمن من عدم وجود أحد.
(٣) البيت من البسيط.
(٤) هو الشريف المنيف العلامة المسند الرحالة المتفنن الداعية .. علوي بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد المشهور .. آل شهاب الدين ، ويخطىء البعض فيظنونه ابن مفتي تريم ، والحال أنه من أبناء عمومته ، ولد بتريم سنة (١٢٦٢ ه) ، وبها توفي سنة (١٣٤١ ه) ، رحل إلى العديد من البلدان داعيا إلى الله ومذكرا ، وقد جمع ترجمته وألف عن حياته وأسفاره وشيوخه .. حفيد ابنه ، السيد الداعي إلى الله أبو بكر بن علي بن أبي بكر بن علوي المشهور حفظه الله في كتاب سمّاه «لوامع النور»