وقد سئل الحسن البصريّ عن عمرو بن عبيد (١) ، فقال : (لقد سألتني عن رجل كأنّ الملائكة أدّبته ، وكأنّ الأنبياء ربّته ، إن قام بأمر .. قعد به ، وإن قعد بأمر .. قام به ، وإن أمر بشيء .. كان ألزم النّاس له ، وإن نهى عن شيء .. كان أبعد النّاس عنه ، ما رأيت ظاهرا أشبه بباطن منه) (٢) ، وكأنّما نظر في هذا بلحظ الغيب إلى والدي ، فإنّه الوصف الّذي ينطبق عليه تماما ، لا يأنف من حقّ ، ولا يتقدّم إليه بباطل ، فلهو والله من أحقّ النّاس بقول كثير [في «ديوانه» ١٤٥ من الطّويل] :
ترى القوم يخفون التّبسّم عنده |
|
وينذرهم عور الكلام نذيرها (٣) |
فلا هاجرات القول يؤثرن عنده |
|
ولا كلمات النّصح يقصى مشيرها |
وقول كعب بن سعد الغنويّ [من الطّويل] :
إذا ما تراءاه الرّجال تحفّظوا |
|
فلم ينطقوا العوراء وهو قريب |
ولئن قال ابن عنقاء : (إذا قيلت العوراء .. أغضى) فإنّ هذا إذا قيلت : العوراء .. غضب ، بل لا أذكر أنّ أحدا نطق في مجلسه بكلمة غيبة أو نحوها.
وكذلك كان يقول عنه الشّيخ الدّثنيّ ، ويكثر التّعجّب من ذلك ، وهو أشدّ وأقدم له لزاما منّي.
ومع هذا كلّه فما هو إلّا صورة مصغّرة من أحوال والده وأحوال سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، وكلّما استكثرنا أعماله .. قلّل منها بالنّسبة لأعمالهم ، وأقسم أنّه غير هاضم لنفسه ، ولكنّه مخبر بالواقع.
وعلى مثل حاله رأيت سيّدي شيخان بن محمّد الحبشيّ ، على ضيق في عطفه ، وخشونة في خلقه ، وإلّا .. فقد كان هذا أوسع علما وأكثر عبادة ، وأشدّ مجاهدة
__________________
(١) هو عمرو بن عبيد بن باب ، وقيل : ابن كيسان ، التميمي المعتزلي مولاهم أبو عثمان البصري. ولد سنة (٨٠ ه) ، ومات سنة (١٤٢ ه) ، ترجمته مطولة في «تهذيب الكمال» ومختصراته.
(٢) انظر ترجمة عمرو بن عبيد ، والقصّة هذه في «وفيات الأعيان» (٣ / ٤٦٠).
(٣) عور الكلام : قبيحه.