وقال بعض الشارحين : قد جوز بعضهم تعريف الشيء بما هو أعم منه إذا كان المقصود منه تمييزه عن بعض ما عداه ، فيمكن أني قال : المقصود هاهنا تمييز العدل عن سائر العلل لا عن كل ما عداه ، فحيث حصل (١) بتعريفه هذا التمييز لا بأس بكونه أعم منه فحينئذ لا حاجة في تصحيح هذا التعريف إلى ارتكاب تلك المتكلفات.
واعلم أنا نعلم قطعا (٢) أنهم لما وجدوا (ثلاث ومثلث وأخر وجمع وعمر) غير منصرف ولم يجدوا فيها سببا ظاهرا غير الوصفية (٣) أو العلمية احتاجوا إلى اعتبار سبب آخر ، ولما لم يصلح للاعتبار إلا العدل ، اعتبروه فيها لا أنهم تنبهوا للعدل فيما عدا (عمر) من هذه الأمثلة ، فجعلوه غير منصرف ، للعدل ، وسبب آخر ، ولكن لا بد في اعتبار العدل من أمرين : أحدهما : وجود (٤) أصل للاسم المعدول. وثانيهما : اعتبار إخراجه عن ذلك الأصل إذ لا تتحقق الفرعية بدون اعتبار ذلك الإخراج.
__________________
(١) ويفهم من كلام الشارح أن هذا التوجيه مرضي له ، مع أن الظاهر أن المقصود في هذا المقام تمييز غير المنصرف عن المنصرف لا مجرد تمييز بعض العلل عن بعض ولا شك أن هذا التعريف للعدل لا يتميز به غير المنصرف عن المنصرف ، فإنه إذا سمي بالجموع الشاذة مثلا شخص لم يعلم أنها غير منصرف أو منصرف ، بل يتوهم أنها غير منصرف لتحقق العلمية والعدل بهذا التعريف الأعم منها. (عصمت).
(٢) قوله : (واعلم أنا نعلم قطعا ... إلخ) كان وجهه أن نظر النحاة في تتبعهم أولا إلى إعراب الكلمة وبنائها ، فإذا نظروا إلى إعراب ثلاث وأخواته وجدوا إعرابها إعراب منع الصرف ، ولما علموا بالتتبع أن منع الصرف لا يكون إلا بفرعيتين حقيقة أو حكما ، فتشوا عن حال تلك الأمثلة ، فوجدوا فرعيته ظاهرة وهي العلمية أو الوصفية ، ولم يجدوا أخرى فاضطروا إلى اعتبار فرعية ، ولم يصلح للاعتبار إلا العدل فاعتبروه ، ثم فتشوا عن حال الأصل ، ففي بعض الأمثلة لم يجدوا ما يدل على ثبوت أصل إلا اقتضاء العدل المعدول عنه ، وفي بعضها وجدوا دليلا آخر فالثاني هو العدل التحقيقي ، أي : العدل المنسوب إلى ما هو محقق ، أي : في الخارج ، والأول هو العدل التقديري ، أي : العدل المنسوب إلى ما هو مقدر ليس ثابتا في الخارج. (عبد الغفور).
(٣) والوصفية أو العلمية وحدها لم تؤثر في منع الصرف لكون اجتماع السببين أو تكرر واحد منها شرطا ، وهما ليسا كذلك. (ح).
(٤) لأن الأصل المعدول عنه إذا لم يوجد لم يمكن اعتبار العدل فكيف يوجد العدل ، الذي هو النوع ؛ لأن المعدول فرع المعدول عنه. (م).