لا بينه ـ بوصف التفسير ـ وبين الصفة فإن التركيب لا يحتملهما (١) معا مثل : قوله تعالى: (إِنَّا كُلَ (٢) شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] بنصب (كل شئ) على الإضمار بشريطة ، ولو رفع بالابتداء وجعل (خلقناه) خبرا له لكان موافقا للنصب في أداء المقصود ولكن خيف لبسه بالصفة لاحتمال كون قوله (بقدر) خبرا وهو خلاف (٣) المقصود فإن المقصود الحكم على (كل شيء) بانه نخلوق لنا بقدر لا الحكم (على كل شيء) مخلوق لنا أنه (بقدر) فإنه يوهم (٤) كون بعض الاشياء الموجودة غير مخلوق لله ،
__________________
(١) لأنه إذا كان الاسم المذكور منصوبا يكون الفعل مفسرا لا يحتمل الصفة ، وإذا كان مرفوعا يكون الفعل صفة أو خبرا لا يحتمل المفسر وهما متضادان.
ـ بأن يكون الفعل لواقع بعد الاسم المذكور وصفا لذلك الاسم وخبرا له أيضا (م).
ـ فإن المقصود من الأية عمومية القدر في جميع المخلوقات ، فإذا نصب كل كان تقديرها : خلقناه كل شيء بقدر ، فلم يعد إلا المعنى المقصود لعدم دلالتها ح إلا على ذلك ، وأما إذا رفع كل على الابتداء فيحتمل وجهين أحدهما : أن يكون خلقناه في محل الرفع بأن يكون خبرا لكل شيء ، ويقدر خبر بعد خبر أو متعلق بخلقنا وج يفيد المعنى المقصود أيضا ، والثاني أن يكون مجرور المحل ، بأن يكون صفة لشيء وبقدر خبره ، وحينئذ لم يفد المعنى المقصود من الآية ؛ إذ ليس المراد أن الشيء المخلوق لنا هو بقدر دون ، ما لم يكن مخلوقا لنا مع أن المفهوم من الكلام حينئذ ذلك ، فلم يلزم منه عمومية القدر في جميع المخلوقات بمجرد الخبر وهي المقصود منها بل عموميته في جميع المخلوقات التي تلك الصفة فالحاصل أن الرفع لما كان محتملا لوجهين مقصود وغير مقصود والنصب متعينا للمقصود كان أرجح (عافية في شرح الكافية).
(٢) قال الشيخ الرضي : ما حاصله يرجع إلى أن لا فرق بين كونه خبرا وكونه صفة ؛ لأن المراد بالشيء المخلوق لا مطلق الشيء ؛ لأنه متناول للممكنات المعدومة ، فإذا أريد بالشيء المخلوق وجعل خلقناه صفة ، كان المعنى كل مخلوق ، مخلوق بالقدر وفيه نظر لأنا لا نسلم تناول الشيء للمعدوم لاختصاصه بالموجود كما ذهب إليه أهل السنة (لارى).
(٣) قوله : (فإنه يوهم) إلخ لا حاجة إلى الاستدلال بفساد احتمال الصفة لاختيار النصب بل يكفي في نفيه أن يكون المفسر جملة خبرية هو المقصود بالإفادة ، وكونه صفة لأمر آخر خلاف المقصود سواء كان له معنى صحيح في نفس الأمر أو لم يكن وإلا يلزم أن لا يكون المختار النصب عند المعتزلي ، فإن احتمال الصفة على مذهبهم غير فاسد مع أنه ليس كذلك إذا لم ينقل خلاف في اختيار النصب في المثال من واحد منهم ، ورؤساء علم النحو كالشيخ عبد القاهر وجار الله العلامة والرضي والسكاكي منهم فالأولى إيراد قوله : (فإنه يوهم بطريق العلاوة لا بطريق الاستدلال) (عصمة الله).
(٤) أي : في الاسم الذي وقع في مظان الإضمار على شريطة التفسير من غير ترجيح لأحد الجانبين على الآخر (توقادي).