مقبلا عليك بوجهه حقيقة ، مثل : (يا زيد) أو حكما مثل : (يا سماء ويا أرض ويا جبال فإنها نزلت أولا منزلة من له صلاحية النداء ثم أدخل عليها حروف النداء وقصد نداؤها. فهي في حكم من يطلب إقباله بخلاف المندوب ؛ لأنه المتفجع عليه ، أدخل عليه حرف النداء لمجرد التفجع ، لا لتنزيله منزلة المنادى ، وقصد نداؤه. فخرج (١) بهذا القيد عن تعريف المنادى ، ولهذا افرد المصنف أحكامه بالذكر فيما بعد ، وفيه تحكم (٢) ، فإن المندوب أيضا كما قال بعضهم (منادى مطلوب إقباله حكما على وجه التفجع ، فاذا قلت (٣) (يا محمداه) فكأنك تناديه وتقول له : تعال ، فانا مشتاق إليك) فالأولى ادخاله تحن المنادى كما فعله (صاحب المفصل).
وقيل : الظاهر من كلام سيبويه أيضا أنه داخل في المنادى. (بحرف (٤) نائب مناب
__________________
(١) ولو قال : فلا يدخل بهذا القيد ؛ إذ قيدوا حكما في تعريف المنادى لكان أنسب بأول كلامه وآخره وأوضح (داود).
(٢) أي : في إخراج المندوب عن تعريف المنادى بقوله : المطلوب إقباله وإدخال أمثال يا سماء ويا أرض ويا جبال بتعميم هذا القول من الحقيقي والحكمي (توقادي).
قوله : (وفيه تحكم) لأن المندوب أيضا كما قال بعضهم منادى مطلوب إقباله كما في نحو يا سماء وجبال والظاهر ما قال المصنف وهو المندوب ليس بمنادى ؛ لأنه في الحقيقة متفجع عليه لا يقصد ندائه حتى يتكلف طلب الإقبال فيه وأما نحو يا سماء ويا جبال فلما لم يكن فيه أمر آخر غير النداء تكلف فيه معنى الندى وطلب الإقبال.
(٣) قوله : (فإذا قلت : يا محمد) إلخ لا يخفي عليك إن هذا المعنى بعيد وليس مقصودا لنادب بل مقصوده إظهار التألم للسامعين بسبب المندوب وليس مراده طلب إقبال المندوب له بوجه من الوجوه لا حقيقة ولا حكما مع أن المندوب باب واسع كثير الدوران على ألسنتهم فجعله داخلا على المجاز في المنادى مستبعد جدا فلم يكن جعل المندوب بابا على حدة تحكما مع إن المقصود جعله ذا جهتين فنظر إلى كونه مناسبا بالمنادى في أكثر الأحكام لم يجعله بابا مستقلا ولم يفصله من المنادى ولم يقل في صدر البحث ووجوبا في خمسة مواضع بجعله موضعا خامسا ونظرا إلى كونه بابا واسعا كثير الدوران على ألسنتهم وعدم شمول تعريف المنادى بدون التكلف لزم مخالفته بالمنادى في بعض الأحكام وفي كونه مدخولا وذكره على حدة في بحث المنادى فكان المصنف اعترض اعتراضا فعليا على صاحب المفصل (عصمت).
(٤) وإنما وجب حذف الفعل فهنا ؛ لأن حرف الندى قائم مقام الفعل ونائبا منابه فلم يجز الجمع بين النائب والمنوب هنا إذا كان حرف النداء ملفوظا ولم يجز أيضا ذكر الفعل عند حذف حرف الندى لئلا يلتبس بالأخبار فإن ذكر الفعل يوهمه الأخبار بناء على أصله (متوسط).