بالصدع به ، فحذفت الباء فصار بالصّدعه فحذفت «أل» لامتناع جمعها مع الإضافة فصار بصدعه ، ثم حذف المضاف كما في (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] فصار به ، ثم حذف الجارّ كما قال عمرو بن معد يكرب [من البسيط] :
٣٥٨ ـ أمرتك الخير فافعل ما أمرت به |
|
[فقد تركتك ذا مال وذا نشب](١) |
فصار : تؤمره ، ثم حذفت الهاء كما حذفت في (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [الفرقان : ٤١] وهذا تقرير ابن جنّي.
وأما (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) [البقرة : ١٠٦] فـ «ما» شرطيّة ، ولهذا جزمت ، ومحلّها النصب بننسخ وانتصابها إمّا على أنها مفعول به مثل (أَيًّا ما تَدْعُوا) [الإسراء : ١١٠] فالتقدير : أيّ شيء ننسخ ، لا أيّ آيةننسخ ؛ لأن ذلك لا يجتمع مع (مِنْ آيَةٍ) [البقرة : ١٠٦] وإما على أنها مفعول مطلق ؛ فالتّقدير : أيّ نسخ ننسخ ، فـ «آية» مفعول «ننسخ» ، و «من» زائدة ، وردّ هذا أبو البقاء بأن «ما» المصدريّة لا تعمل ، وهذا سهو منه ، فإنه نفسه نقل عن صاحب هذا الوجه أن ما مصدر بمعنى أنها مفعول مطلق ، ولم ينقل عنه أنها مصدريّة.
وأما قوله تعالى : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) [الأنعام : ٦] فـ «ما» محتملة للموصوفة أي شيئا لم نمكنه لكم ، فحذف العائد ، وللمصدريّة الظرفية ، أي أن مدّة تمكّنهم أطول ، وانتصابها في الأول على المصدر ، وقيل على المفعول به على تضمين «مكنّا» معنى «أعطينا» ، وفيه تكلّف.
وأما قوله تعالى : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٨٨] فـ «ما» محتملة لثلاثة أوجه : أحدها : الزّيادة ، فتكون إمّا لمجرد تقوية الكلام مثلها في (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران : ١٥٩] فتكون حرفا باتفاق ، وقليلا في معنى النفي مثلها في قوله [من الطويل] :
٣٥٩ ـ [أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة] |
|
قليل بها الأصوات إلّا بغامها (٢) |
وإما لإفادة التّقليل مثلها في «أكلت أكلا مّا» ، وعلى هذا فيكون تقليلا بعد تقليل ، ويكون التقليل على معناه. ويزعم قوم أن «ما» هذه اسم كما قدّمناه في (مَثَلاً ما بَعُوضَةً)
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص ٦٣ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٢٤ ، والدرر ٥ / ١٨٦ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٢٧ ، ولخفاف بن ندبة في ديوانه ص ١٢٦ ، وللعباس بن مرداس في ديوانه ص ٣١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ١٦.
(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ١٠٠٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤١٨ ، والدرر ٣ / ١٦٨ ، ولسان العرب مادة (بلد) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٣٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٨.