وزعم ابن خروف أنهم لم يقولوا : «كذا درهما» ، ولا «كذا وكذا درهما» وذكر ابن مالك أنه مسموع ولكنّه قليل.
* * * *
(كلّا) مركبة عند ثعلب من كاف التشبيه ولا النافية ، قال وإنما شدّدت لامها لتقوية المعنى ، ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين ، وعند غيره هي بسيطة.
وهي عند سيبويه والخليل والمبرد والزجاج وأكثر البصريين حرف معناه الرّدع والزّجر ، لا معنى لها عندهم إلا ذلك ، حتى إنهم يجيزون أبدا الوقف عليها ، والابتداء بما بعدها ، وحتى قال جماعة منهم : متى سمعت «كلّا» في سورةفاحكم بأنها مكّية ، لأن فيها معنى التّهديد والوعيد ، وأكثر ما نزل ذلك بمكة ، لأن أكثر العتوّ كان بها ، وفيه نظر ؛ لأن لزوم المكيّة إنما يكون عن اختصاص العتوّ بها ، لا عن غلبته ، ثم لا تمتنع الإشارة إلى عتوّ سابق ، ثم لا يظهر معنى الزّجر في «كلّا» المسبوقة بنحو : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨) [الانفطار : ٨] ، (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦) [المطففون : ٦] ، (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩) [القيامة : ١٩] ، وقولهم : المعنى : انته عن ترك الإيمان بالتصوير في أي صورة ما شاء الله ، وبالبعث ، وعن العجلة بالقرآن ، تعسّف ، إذ لم يتقدّم في الأوّلين حكاية نفي ذلك عن أحد ، ولطول الفصل في الثالثة بين «كلّا» وذكر العجلة ، وأيضا فإن أوّل ما نزل خمس آيات من أول سورةالعلق ثم نزل : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) (٦) [العلق : ٦] ، فجاءت في افتتاح الكلام ، والوارد منها في التنزيل ثلاثة وثلاثون موضعا كلّها في النصف الأخير.
ورأى الكسائي وأبو حاتم ومن وافقهما أنّ معنى الرّدع والزّجر ليس مستمرّا فيها ، فزادوا فيها معنى ثانيا يصحّ عليه أن يوقف دونها ويبتدأ بها ، ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال ، أحدها للكسائي ومتابعيه ، قالوا : تكون بمعنى «حقّا» ؛ والثاني لأبي حاتم ومتابعيه ، قالوا : تكون بمعنى «ألا» الاستفتاحيّة ؛ والثالث للنّضر بن شميل والفرّاء ومن وافقهما ، قالوا : تكون حرف جواب بمنزلة «إي» ، و «نعم» ، وحملوا عليه (كَلَّا وَالْقَمَرِ) (٣٢) [المدثر : ٣٢] ، فقالوا : معناه : إي والقمر.
وقول أبي حاتم عندي أولى من قولهما ، لأنه أكثر اطّرادا ؛ فإنّ قول النّضر لا يتأتّى في آيتي المؤمنين والشّعراء على ما سيأتي ؛ وقول الكسائي لا يتأتّى في نحو : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ) [المطففون : ١٨] ، (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ) [المطففون : ٧] ، (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥) [المطففون : ١٥] ، لأن «أنّ» تكسر بعد «ألا» الاستفتاحيّة ، ولا تكسر بعد