والأول من الحقيقي كقولك : «ما زيد إلا كاتب» إذا أردت أنه لا يتصف بصفة غير الكتابة ، وهذا لا يكاد يوجد في الكلام ، لأنه ما من متصوّر إلا وتكون له صفات تتعذّر الإحاطة بها أو تتعسّر.
والثاني منه كثير ، كقولنا : «ما في الدار إلا زيد».
والفرق بينهما ظاهر ، فإن الموصوف في الأول لا يمتنع أن يشاركه غيره في الصفة المذكورة ، وفي الثاني يمتنع.
وقد يقصد به المبالغة ؛ لعدم الاعتداد بغير المذكور ، فينزّل منزلة المعدوم.
والأول من غير الحقيقي : تخصيص أمر بصفة دون أخرى ، أو مكان أخرى.
والثاني منه : تخصيص صفة بأمر دون آخر أو مكان آخر ، فكل واحد منهما ضربان.
والمخاطب بالأول من ضربي كلّ ـ أعني تخصيص أمر بصفة دون أخرى ، وتخصيص صفة بأمر دون آخر ـ من يعتقد الشركة ، أي اتصاف ذلك الأمر بتلك الصفة وغيرها جميعا في الأول ، واتصاف ذلك الأمر وغيره جميعا بتلك الصفة في الثاني.
فالمخاطب بقولنا : «ما زيد إلا كاتب» من يعتقد أن زيدا كاتب وشاعر ، وبقولنا : «ما شاعر إلا زيد» من يعتقد أن زيدا شاعر ، لكن يدّعي أن عمرا أيضا شاعر ، وهذا يسمى قصر إفراد ، لقطعه الشركة بين الصفتين في الثبوت للموصوف ، أو بين الموصوف وغيره في الاتصاف بالصفة.
والمخاطب بالثاني من ضربي كل ـ أعني تخصيص أمر بصفة مكان أخرى وتخصيص صفة بأمر مكان آخر ـ إما من يعتقد العكس ، أي اتصاف ذلك الأمر بغير تلك الصفة عوضا عنها في الأول ، واتصاف غير ذلك الأمر بتلك الصفة عوضا عنه في الثاني ، وهذا يسمى قصر قلب ، لقلبه حكم السامع.
وإما من تساوى الأمران عنده ، أي اتصاف ذلك الأمر بتلك الصفة واتصافه بغيرها في الأول ، واتصافه بها واتصاف غيره بها في الثاني ، وهذا يسمى تعيين.
فالمخاطب بقولنا : «ما زيد إلا قائم» من يعتقد أن زيدا قاعد لا قائم ، أو يعلم أنه إما قاعد أو قائم ولا يعلم أنه بماذا يتصف منهما بعينه؟ وبقولنا : «ما قائم إلا زيد» من يعتقد أن عمرا قائم لا زيدا ، أو يعلم أن القائم أحدهما دون كل واحد منهما ، لكن لا يعلم من هو منهما بعينه؟