وشرط قصر الموصوف على الصفة إفرادا عدم تنافي الصفتين ؛ حتى تكون المنفية في قولنا : «ما زيد إلا شاعر» كونه كاتبا ، أو منجّما ، أو نحو ذلك ، لا كونه مفحما لا يقول الشعر ؛ ليتصوّر اعتقاد المخاطب اجتماعهما.
وشرط قصره قلبا تحقق تنافيهما ؛ حتى تكون المنفية في قولنا : «ما زيد إلا قائم» كونه قاعدا ، أو جالسا ، أو نحو ذلك ، لا كونه أسود ، أو أبيض ، أو نحو ذلك ؛ ليكون إثباتها مشعرا بانتفاء غيرها.
وقصر التعيين أعمّ ، لأن اعتقاد كون الشيء موصوفا بأحد أمرين معينين على الإطلاق ، لا يقتضي جواز اتصافه بهما معا ، ولا امتناعه.
وبهذا علم أن كل ما يصلح أن يكون مثالا لقصر الإفراد ، أو قصر القلب يصلح أن يكون مثالا لقصر التعيين ، من غير عكس.
وقد أهمل السكاكي القصر الحقيقي ، وأدخل قصر التعيين في قصر الإفراد ، فلم يشترط في قصر الموصوف إفرادا عدم تنافي الصفتين ، ولا في قصره قلبا تحقق تنافيهما.
وللقصر طرق :
منها : العطف ، كقولك في قصر الموصوف على الصفة إفرادا : «زيد شاعر لا كاتب» أو «ما زيد كاتبا بل شاعر» وقلبا : «زيد قائم لا قاعد» أو «ما زيد قاعدا بل قائم» وفي قصر الصفة على الموصوف إفرادا أو قلبا بحسب المقام : «زيد قائم لا عمرو» أو «ما عمرو قائما بل زيد».
ومنها : النفي والاستثناء ، كقولك في قصر الموصوف على الصفة إفرادا : «ما زيد إلا شاعر» وقلبا : «ما زيد إلا قائم» وتعيينا كقوله تعالى : (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) [يس : الآية ١٥] أي لستم في دعواكم للرسالة عندنا بين الصدق والكذب كما يكون ظاهر حال المدّعي إذا ادّعى ، بل أنتم عندنا كاذبون فيها ، وفي قصر الصفة على الموصوف بالاعتبارين : «ما قائم ـ أو ما من قائم ، أو لا قائم ـ إلا زيد».
وتحقيق وجه القصر في الأول أنه متى قيل : «ما زيد» توجّه النفي إلى صفته لا ذاته ؛ لأن أنفس الذوات يمتنع نفيها ، وإنما تنفى صفاتها كما بيّن ذلك في غير هذا العلم ، وحيث لا نزاع في طوله وقصره وما شاكل ذلك ، وإنما النزاع في كونه شاعرا أو كاتبا ؛ تناولهما النفي ، فإذا قيل «إلا شاعر» جاء القصر.
وفي الثاني أنه متى قيل : «ما شاعر» فأدخل النفي على الوصف المسلّم ثبوته ـ أعني الشعر ـ لغير من الكلام فيهما ، كزيد وعمر مثلا ؛ توجّه النفي إليهما ، فإذا قيل : «إلا زيد» جاء القصر.