وأما «لو» فهي
للشرط في الماضي مع القطع بانتفاء الشرط ، فيلزم انتفاء الجزاء ، كانتفاء الإكرام
في قولك : «لو جئتني لأكرمتك» ولذلك قيل : هي امتناع الشيء لامتناع غيره.
ويلزم كون
جملتيها فعليتين ، وكون الفعل ماضيا ؛ فدخولها على المضارع في نحو قوله تعالى : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ
الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) [الحجرات : الآية ٧] لقصد استمرار الفعل فيما مضى وقتا فوقتا ، كما في قوله
تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ
بِهِمْ) [البقرة : الآية ١٥] بعد قوله : (إِنَّما نَحْنُ
مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة : الآية ١٤] ، وفي قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لَهُمْ
مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة : الآية ٧٩] ودخولها عليه في نحو قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ
ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [السّجدة : الآية ١٢] ، وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ
الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [سبأ : الآية ٣١] لتنزيله منزلة الماضي ؛ لصدوره عمن لا خلاف في إخباره ،
كما نزل «يودّ» منزلة «ودت» في قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : الآية ٢] ويجوز أن يردّ الغرض من لفظ «ترى» و «يودّ» إلى استحضار
صورة رؤية المجرمين ناكسي الرؤوس قائلين لما يقولون ، وصورة رؤية الظالمين موقوفين
عند ربهم متقاولين بتلك المقالات ، وصورة ودادة الكافرين لو أسلموا ، كما في قوله
تعالى : (وَاللهُ الَّذِي
أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ
فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) [فاطر : الآية ٩] ، إذ قال : (فَتُثِيرُ سَحاباً) [فاطر : الآية ٩] استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة
من إثارة السحاب مسخّرا بين السماء والأرض ، تبدو في الأول كأنها قطع قطن مندوف ،
ثم تتضامّ متقلّبة بين أطوار حتى يعدن ركاما ، وكقول تأبّط شرا : [ثابت بن جابر]
ألا من مبلغ
فتيان فهم
|
|
بما لاقيت
عند رحا بطان
|
بأنّي قد
لقيت الغول تهوي
|
|
بسهب
كالصحيفة صحصحان
|
فقلت لها :
كلانا نضو أرض
|
|
أخو سفر ،
فخلّي لي مكاني
|
فشدّت شدّة
نحوي ، فأهوت
|
|
لها كفّي
بمصقول يماني
|
فأضربها بلا
دهش ، فخرّت
|
|
صريعا لليدين
وللجران
|
إذ قال : «فأضربها»
ليصور لقومه الحالة التي تشجّع فيها على ضرب الغول ، كأنه يبصّرهم إيّاها ،
ويتطلّب منهم مشاهدتها ؛ تعجيبا من جراءته على كل هول ، وثباته عند كل شدة ، ومنه
قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى
عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ
__________________