لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : الآية ١٤٥] ، وقوله تعالى : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) [البقرة : الآية ٢٠٩] ونظيره في التعريض بقوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٢) [يس : الآية ٢٢] المراد : وما لكم لا تعبدون الذي فطركم؟ والمنبه عليه «ترجعون» ، وقوله تعالى : (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٤) [يس : الآيتان ٢٣ ، ٢٤] إذ المراد أتتخذون من دونه آلهة إن يردكم الرحمن بضر لا تغن عنكم شفاعتهم شيئا ولا ينقذوكم؟ إنكم إذا لفي ضلال مبين ، ولذلك قيل : (آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) [يس : الآية ٢٥] دون (بربي) وأتبعه (فَاسْمَعُونِ). ووجه حسنه تطلب إسماع المخاطبين الذين هم أعداء المسمع الحقّ على وجه لا يورثهم مزيد غضب ، وهو ترك التصريح بنسبتهم إلى الباطل ومواجهتهم بذلك ، ويعين على قبوله ؛ لكون أدخل في إمحاض النصح لهم ، حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه.
ومن هذا القبيل قوله تعالى : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٢٥) [سبأ : الآية ٢٥] فإن حقّ النّسق من حيث الظاهر : «قل لا تسالون عما عملنا ولا نسئل عما تجرمون» وكذا ما قبله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : الآية ٢٤].
قال السكاكي رحمه الله : وهذا النوع من الكلام يسمى المنصف.
ومما يتصل بما ذكرناه أن الزمخشري قدّر قوله تعالى : (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة : الآية ٢] عطفا على جواب الشرط في قوله تعالى : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) (٢) [الممتحنة : الآية ٢] ، وقال : الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب فإن فيه نكتة ، كأنه قيل : وودوا قبل كلّ شيء كفركم وارتدادكم ، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضارّ الدنيا والدين جميعا : من قتل الأنفس ، وتمزيق الأعراض ، وردّكم كفارا ، وردّكم كفارا أسبق المضارّ عندهم وأولها ؛ لعلمهم أن الدين أعزّ عليكم من أرواحكم ؛ لأنكم بذّالون لها دونه ، والعدوّ أهمّ شيء عنده أن يقصد أعزّ شيء عند صاحبه.
هذا كلامه ، وهو حسن دقيق ، لكن في جعل (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة : الآية ٢] ، عطفا على جواب الشرط نظر ، لأن ودادتهم أن يرتدوا كفارا حاصلة وإن لم يظفروا بهم ، فلا يكون في تقييدها بالشرط فائدة. فالأولى أن يجعل قوله : (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة : الآية ٢] ، عطفا على الجملة الشرطية ، كقوله تعالى : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [آل عمران : الآية ١١١].