فالتفت في البيتين.
والمشهور عند الجمهور أن الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة بعد التعبير عنه بطريق آخر منها.
وهذا أخصّ من تفسير السكاكي ؛ لأنه أراد بالنقل أن يعبّر بطريق من هذه الطرق عما عبّر عنه بغيره ، أو كان مقتضى الظاهر أن يعبّر عنه بغيره منها.
فكل التفات عندهم التفات عنده ، من غير عكس.
مثال الالتفات من التكلم إلى الخطاب قوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٢) [يس : الآية ٢٢] ومن التكلم إلى الغيبة ، قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٢) [الكوثر : الآيتان ١ ، ٢]. ومن الخطاب إلى التكلم قول علقمة بن عبدة :
طحا بك قلب في الحسان طروب |
|
بعيد الشّباب عصر حان مشيب (١) |
يكلّفني ليلى وقد شطّ وليها |
|
وعادت عواد بيننا وخطوب |
ومن الخطاب إلى الغيبة قوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : الآية ٢٢].
ومن الغيبة إلى التكلم قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ) [الرّوم : الآية ٤٨] ، ومن الغيبة إلى الخطاب قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : الآيتان ٤ ، ٥] ، وقول عبد الله بن عنمة :
ما إن ترى السّيد زيدا في نفوسهم |
|
كما يراه بنو كوز ومرهوب (٢) |
إن تسألوا الحقّ نعط الحقّ سائله |
|
والدّرع محقبة ، والسّيف مقروب |
وأما قول امرىء القيس :
تطاول ليلك بالأثمد |
|
ونام الخليّ ولم ترقد (٣) |
وبات ، وباتت له ليلة |
|
كليلة ذي العائر الأرمد |
__________________
(١) البيتان من الطويل ، وهما لعلقمة بن عبدة في ديوانه ص ٣٣ ، والمصباح ص ٣٢.
(٢) البيتان من الطويل ، وهما في ديوان علقمة بن عبدة ص ٣٤ ، ونسبهما المؤلف لعبد الله بن عنمة.
(٣) الأبيات من المتقارب ، وهي في ديوان امرىء القيس ص ١٨٥ ، والمستقصى ٢ / ٥٠ ، وسمط اللآلي ص ٥٣ ، ومعاهد التنصيص ١ / ١٧١ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٨٠.