٢ ـ وتقديم لا على نية التأخير ، ولكن أن ينقل الشيء عن حكم إلى حكم ، ويجعل له إعراب غير إعرابه ، كما في اسمين يحتمل كل منهما أن يجعل مبتدأ والآخر خبرا له ، فيقدّم تارة هذا على هذا ، وأخرى ذاك على هذا ، كقولنا : «زيد المنطلق» و «المنطلق زيد» فإن «المنطلق» لم يقدم على أن يكون متروكا على حكمه الذي كان عليه مع التأخير ، فيكون خبر مبتدأ كما كان ، بل على أن ينقل عن كونه خبرا إلى كونه مبتدأ ، وهكذا القول في تأخير «زيد».
وأما تأخيره فلاقتضاء المقام تقديم المسند.
هذا كله مقتضى الظاهر ، وقد يخرج المسند إليه على خلافه.
فيوضع المضمر موضع المظهر ، كقولهم ابتداء من غير جري ذكر لفظا أو قرينة حال : «نعم رجلا زيد ، وبئس رجلا عمرو» مكان : «نعم الرجل ، وبئس الرجل» على قول من لا يرى الأصل «زيد نعم رجلا ، وعمرو بئس رجلا» وقولهم : «هو زيد عالم ، وهي عمرو شجاع» مكان الشأن زيد عالم ، والقصة عمرو شجاع ؛ ليتمكن في ذهن السامع ما يعقبه ؛ فإن السامع متى لم يفهم من الضمير معنى بقي منتظرا لعقبى الكلام كيف تكون ، فيتمكن المسموع بعده في ذهنه فضل تمكن ، وهو السر في التزام تقديم ضمير الشأن أو القصة ، قال الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) [الإخلاص : الآية ١] ، وقال : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) [المؤمنون : الآية ١١٧] ، وقال : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) [الحجّ : الآية ٤٦].
وقد يعكس فيوضع المظهر موضع المضمر ؛ فإن كان المظهر اسم إشارة ؛ فذلك إما لكمال العناية بتمييزه ؛ لاختصاصه بحكم بديع ، كقوله : [ابن الراوندي ، أحمد بن عيسى]
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه |
|
وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا (١) |
هذا الذي ترك الأوهام حائرة |
|
وصير العالم النحرير زنديقا |
وإما للتهكّم بالسامع ، كما إذا كان فاقد البصر ، أو لم يكن ثم مشار إليه أصلا.
وإما للنداء على كمال بلادته بأنه لا يدرك غير المحسوس بالبصر ، أو على كمال فطانته ، بأن غير المحسوس بالبصر عنده كالمحسوس عند غيره.
وإما لادعاء أنه كمل ظهوره ، حتى كأنه محسوس بالبصر ، ومنه في غير باب المسند إليه قوله : [ابن الدمينة]
__________________
(١) البيتان من البسيط ، وهما لابن الراوندي في المصباح ص ٢٩ ، والتبيان ١ / ١٥٨.