ثم قال : وعلّة ذلك أنك إذا بدأت بـ «كل» كنت قد بنيت النفي عليه وسلّطت الكلية على النفي ، وأعملتها فيه ، وإعمال معنى الكلية في النفي يقتضي أن لا يشذّ شيء عن النفي ، فاعرفه.
هذا لفظه ، وفيه نظر.
وقيل : إنما كان التقديم مفيدا للعموم دون التأخير لأن صورة التقديم تفهم سلب لحوق المحمول للموضوع ، وصورة التأخير تفهم سلب الحكم من غير تعرض للمحمول بسلب أو إثبات.
وفيه نظر أيضا ؛ لاقتضائه أن لا تكون «ليس» في نحو قولنا : «ليس كل إنسان كاتبا» مفيدة لنفي كاتب.
هذا إن حمل كلامه على ظاهره ، وإن تؤوّل بأن مراده أن التقديم يفيد سلب لحوق المحمول عن كل فرد والتأخير يفيد سلب لحوقه لكل فرد اندفع هذا الاعتراض ، لكن كان مصادرة على المطلوب.
واعلم أن المعتمد في المطلوب الحديث وشعر أبي النجم ، وما نقلناه عن الشيخ عبد القاهر وغيره لبيان السبب ، وثبوت المطلوب لا يتوقف عليه.
والاحتجاج بالخبر من وجهين : أحدهما أن السؤال بـ «أم» عن أحد الأمرين لطلب التعيين بعد ثبوت أحدهما عند المتكلم على الإبهام ؛ فجوابه إما بالتعيين ، أو بنفي كل واحد منهما ، وثانيهما ما روي بأنه لما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : «كلّ ذلك لم يكن» قال له ذو اليدين : «بعض ذلك قد كان» والإيجاب الجزئي نقيضه السلب الكلي.
وبقول أبي النجم ما أشار إليه الشيخ عبد القاهر ، وهو أن الشاعر فصيح والفصيح الشائع في مثل قوله نصب «كل» وليس فيه ما يكسر له وزنا ، وسياق كلامه أنه لم يأت بشيء مما ادعت عليه هذه المرأة ؛ فلو كان النصب مفيدا لذلك والرفع غير مفيد لم يعدل عن النصب إلى الرفع من غير ضرورة.
ومما يجب التنبه له في فصل التقديم أصل ، وهو أن تقديم الشيء على الشيء ضربان :
١ ـ تقديم على نية التأخير ، وذلك في شيء أقرّ مع التقديم على حكمه الذي كان عليه ، كتقديم الخبر ، على المبتدأ ، والمفعول على الفاعل كقولك : «قائم زيد» و «ضرب عمرا زيد» ؛ فإن «قائم» و «عمرا» لم يخرجا بالتقديم عما كانا عليه ، من كون هذا مسندا ومرفوعا بذلك ، وكون هذا مفعولا ومنصوبا من أجله.