الحكم ، وعليه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) (٥٩) [المؤمنون : الآية ٥٩] فإنه يفيد من التأكيد في نفي الإشراك عنهم ما لا يفيده قولنا : والذين لا يشركون بربهم ، ولا قولنا : والذين بربهم لا يشركون ، وكذا قوله تعالى : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [يس : الآية ٨] ، وقوله تعالى : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) (٦٦) [القصص : الآية ٦٦] ، وقوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٥) [الأنفال : الآية ٥٥].
هذا كله إذا بني على معرف ، فإن بني على منكر أفاد ذلك تخصيص الجنس أو الواحد بالفعل ، كقولك : «رجل جاءني» أي لا امرأة ، أو لا رجلان.
وذلك لأن أصل النكرة أن تكون للواحد من الجنس ، فيقع القصد بها تارة إلى الجنس فقط ، كما إذا كان المخاطب بهذا الكلام قد عرف أن قد أتاك آت ، ولم يدر جنسه : أرجل هو أو امرأة؟ أو اعتقد أنه امرأة ، وتارة إلى الوحدة فقط ، كما إذا عرف أن قد أتاك من هو من جنس الرجال ، ولم يدر ؛ أرجل هو أم رجلان ، أو اعتقد أنه رجلان. واشترط السكاكي في إفادة التقديم الاختصاص أمرين :
أحدهما : أن يجوز تقدير كونه في الأصل مؤخرا ، بأن يكون فاعلا في المعنى فقط ، كقولك : «أنا قمت» فإنه يجوز أن تقدر أصله «قمت أنا» على أن «أنا» تأكيد للفعل الذي هو التاء في «قمت» فقدّم «أنا» وجعل مبتدأ.
وثانيهما : أن يقدّر كونه كذلك.
فإن انتفى الثاني دون الأول كالمثال المذكور إذا أجري على الظاهر ـ وهو أن يقدّر الكلام من الأصل مبنيا على المبتدأ والخبر ، ولم يقدّر تقديم وتأخير ـ أو انتفى الأول ، بأن يكون المبتدأ اسما ظاهرا ؛ فإنه لا يفيد إلا تقوّي الحكم.
واستثنى المنكّر ، كما في نحو «رجل جاءني» بأن قدّر أصله «جاءني رجل» لا على أن «رجل» فاعل «جاءني» بل على أنه بدل الفاعل الذي هو الضمير المستتر في «جاءني» ، كما قيل في قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء : الآية ٣] : إن (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بدل من الواو في (أَسَرُّوا) وفرق بينه وبين المعروف بأنه لو لم يقدر ذلك فيه انتفى تخصيصه ؛ إذ لا سبب لتخصيصه «سواه» ولو انتفى تخصيصه لم يقع مبتدأ ، بخلاف المعرّف ؛ لوجود شرط الابتداء فيه ، وهو التعريف.
ثم قال : وشرطه أن لا يمنع من التخصيص مانع ، كقولنا : «رجل جاءني» أي لا امرأة ، أو لا رجلان ، دون قولهم : «شر أهر ذا ناب» أما على التقدير الأول فلامتناع أن