يراد المهرّ شر لا خير ، وأما على الثاني فلكونه نابيا عن مكان استعماله ؛ وإذ قد صرح الأئمة بتخصيصه ، حيث تأولوه بـ «ما أهرّ ذا ناب إلا شر» ، فالوجه تفظيع شأن الشر بتنكيره كما سبق.
هذا كلامه ، وهو مخالف لما ذكره الشيخ عبد القاهر ؛ لأن ظاهر كلام الشيخ فيما يليه حرف النفي ؛ القطع بأنه يفيد التخصيص مضمرا كان أو مظهرا ، معرفا أو منكّرا ، من غير شرط ، لكنه لم يمثل إلا بالمضمر.
وكلام السكاكي صريح في أنه لا يفيده إلا إذا كان مضمرا ، أو منكرا بشرط تقدير التأخير في الأصل.
فنحو «ما زيد قام» يفيد التخصيص على إطلاق قول الشيخ ، ولا يفيده على قول السكاكي.
ونحو «ما أنا قمت» يفيده على قول الشيخ مطلقا : وعلى قول السكاكي بشرط.
وظاهر كلام الشيخ أن المعرّف إذا لم يقع بعد النفي وخبره مثبت أو منفي ؛ قد يفيد الاختصاص ، مضمرا كان أو مظهرا ، لكنه لم يمثل إلا بالمضمر.
وكلام السكاكي صريح في أنه لا يفيده إلا المضمر.
فنحو «زيد قام» قد يفيد الاختصاص على إطلاق قول الشيخ ، ولا يفيده عند السكاكي.
ثم فيما احتج به لما ذهب إليه نظر ؛ إذ الفاعل وتأكيده سواء في امتناع التقديم ، ما دام الفاعل فاعلا والتأكيد تأكيدا ، فتجويز تقديم التأكيد دون الفاعل تحكّم ظاهر.
ثم لا نسلم انتفاء التخصيص في صورة المنكّر لو لا تقدير أنه كان في الأصل مؤخّرا فقدم ، لجواز حصول التخصيص فيها بالتهويل ـ كما ذكر ـ وغير التهويل.
ثم لا نسلم امتناع أن يراد : المهرّ شرّ لا خير ؛ قال الشيخ عبد القاهر : إنما قدم «شرّ» لأن المراد أن يعلم أن الذي أهرّ ذا ناب هو من جنس البشر لا من جنس الخير ، فجرى مجرى أن تقول : رجل جاءني ، تريد أنه رجل لا امرأة ، وقول العلماء : إنه إنما صلح لأنه بمعنى «ما أهر ذا ناب إلا شرّ» بيان ذلك ، وهذا صريح في خلاف ما ذكره.
ثم قال السكاكي : ويقرب من قبيل «هو عرف» في اعتبار تقوّي الحكم «زيد عارف» وإنما قلت : «يقرب» دون أن أقول : نظيره لأنه لما لم يتفاوت في التكلم والخطاب والغيبة في «أنا عارف» و «أنت عارف» و «هو عارف» أشبه الخالي عن الضمير ، ولذلك لم