أحلت ، ومن البيّن في ذلك المثل : «أتعلمني بضبّ أنا حرشته؟» وعليه قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) [التّوبة : الآية ١٠١] أي لا يعلمهم إلا نحن ، ولا يطلع على أسرارهم غيرنا ؛ لإبطانهم الكفر في سويداوات قلوبهم.
الثاني : ما لا يفيد إلا تقوّي الحكم وتقرّره في ذهن السامع وتمكّنه ، كقولك : «وهو يعطي الجزيل» لا تريد أن غيره لا يعطي الجزيل ، ولا أن تعرّض بإنسان ، ولكن تريد أن تقرر في ذهن السامع وتحقّق أنه يفعل إعطاء الجزيل.
وسبب تقوّيه هو أن المبتدأ يستدعي أن يستند إليه شيء ، فإذا جاء بعده ما يصلح أن يستند إليه صرفه إلى نفسه ، فينعقد بينهما حكم ، سواء كان خليا عن ضميره نحو «زيد غلامك» أو متضمنا نحو «أنا عرفت ، وأنت عرفت ، وهو عرف أو زيد عرف» ثم إذا كان متضمنا لضميره صرفه ذلك الضمير إليه ثانيا ؛ فيكتسي الحكم قوة.
ومما يدل على أن التقديم يفيد التأكيد أن هذا الضرب من الكلام يجيء. فيما سبق فيه إنكار من منكر ، نحو أن يقول الرجل : «ليس لي علم بالذي تقول» فتقول : «أنت تعلم أن الأمر على ما أقول» وعليه قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران : الآية ٧٥] لأن الكاذب ـ لا سيما في الدين ـ لا يعترف بأنه كاذب ، فيمتنع أن يعترف بالعلم بأنه كاذب.
وفيما اعترض فيه شك ، نحو أن تقول للرجل : «كأنك لا تعلم ما صنع فلان» فيقول : «أنا أعلم».
وفي تكذيب مدّع ، كقوله تعالى : (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) [المائدة : الآية ٦١] فإن قولهم : «آمنا» دعوى منهم أنهم لم يخرجوا بالكفر كما دخلوا به.
وفيما يقتضي الدليل أن لا يكون ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (٢٠) [النّحل : الآية ٢٠] فإن مقتضى الدليل أن لا يكون ما يتّخذ إلها مخلوقا.
وفيما يستغرب ، كقولك : «ألا تعجب من فلان؟ يدّعي العظيم وهو يعيا باليسير».
وفي الوعد والضّمان ، كقولك للرجل : «أنا أكفيك ، أنا أقوم بهذا الأمر» لأن من شأن من تعده وتضمن له أن يعترضه الشك في إنجاز الوعد والوفاء بالضمان ؛ فهو من أحوج شيء إلى التأكيد.
وفي المدح والافتخار ؛ لأن من شأن المادح أن يمنع السامعين من الشك فيما