لأنهما إما حقيقتان ، كقولنا : «أنبت الربيع البقل» وعليه قوله :
فنام ليلي وتجلّى همّي (١)
وقوله : [جرير]
وشيّب أيام الفراق مفارقي (٢)
وقوله :
ونمت وما ليل المطيّ بنائم (٣)
وإما مجازان ، كقولنا : «أحيا الأرض شباب الزمان».
وإما مختلفان ، كقولنا : «أنبت البقل شباب الزمان» وكقولنا : «أحيا الأرض الربيع» وعليه قول الرجل لصاحبه : «أحيتني رؤيتك» أي : آنستني وسرّتني ، فقد جعل الحاصل بالرؤية من الأنس والمسرّة حياة ، ثم جعل الرؤية فاعلة له ، ومثله قول أبي الطّيّب :
وتحيي له المال الصّوارم والقنا |
|
ويقتل ما تحيي التبسّم والجدا (٤) |
جعل الزيادة والوفور حياة للمال ، وتفريقه في العطاء قتلا له ، ثم أثبت الإحياء فعلا للصوارم ، والقتل فعلا للتبسّم ، مع أن الفعل لا يصح منهما ، ونحوه قولهم : «أهلك الناس الدينار والدرهم» جعلت الفتنة إهلاكا. ثم أثبت الإهلاك فعلا للدينار والدرهم.
وهو في القرآن كثير ، كقوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) [الأنفال : الآية ٢] نسبت الزيادة التي هي فعل الله إلى الآيات ، لكونها سببا فيها. وكذا قوله تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) [فصّلت : الآية ٢٣].
ومن هذا الضرب قوله : (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) [القصص : الآية ٤] فإن الفاعل غيره ، ونسب الفعل إليه ؛ لكونه الآمر به.
__________________
(١) الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٤٢ ، والمحتسب ٢ / ١٨٤ ، ودلائل الإعجاز ص ٢٩٤ ، ٤٦٣ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٢٠٢ ، والمقتضب ٣ / ١٠٥.
(٢) الشعر من الطويل ، وهو في ديوان جرير ٨٧٦.
(٣) صدر البيت :
لقد لمتنا يا أم غيلان في السّرى
والبيت من الطويل ، وهو لجرير في ديوانه ص ٩٩٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٦٥ ، ٨ / ٢٠٢ ، والكتاب ١ / ١٦٠ ، ولسان العرب (ربح) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ٦٠ ، والإنصاف ١ / ٢٤٣ ، وتخليص الشواهد ص ٤٣٩ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٢٢ ، والمحتسب ٢ / ١٨٤ ، والمقتضب ٣ / ١٠٥ ، ٤ / ٣٣١.
(٤) البيت من الطويل ، ولم أجده في ديوان أبي الطيب المتنبي ، وهو في أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني ص ٣٢١.