كل جملة وضعتها على أن الحكم المفاد بها على ما هو عليه في العقل واقع موقعه ، فإن قوله : «واقع موقعه» معناه في نفس الأمر وهو بيان لما قبله.
وكذا في كلام الزمخشري (١) حيث عرّف المجاز العقلي بقوله : أن يسند الفعل إلى شيء يتلبّس بالذي هو في الحقيقة له ، فإن قوله : «في الحقيقة» معناه في نفس الأمر ، ونحو «كسا الخليفة الكعبة» ـ إذا كان الإسناد فيه مجازا ـ كذلك.
ثم القول بأن الفعل موضوع لاستعماله في القادر ؛ ضعيف ، وهو معترف بضعفه ، وقد رده في كتابه بوجوه ، منها أن وضع الفعل لاستعماله في القادر قيد لم ينقل عن واحد من رواة اللغة ، وترك القيد دليل في العرف على الإطلاق ، فقوله : «إفادة للخلاف لا بوساطة وضع» لا حاجة إليه ، وإن ذكر فينبغي أن لا يذكر إلا بعد ذكر الحد على المذهب المختار ، على أن تمثيله بقول الجاهل : «أنبت الربيع البقل» ينافي هذا الاحتراز.
تنبيه : قد تبين بما ذكرناه أن المسمّى بالحقيقة العقلية ، والمجاز العقلي ـ على ما ذكره السكاكي ـ هو الكلام لا الإسناد ، وهذا يوافق ظاهر كلام الشيخ عبد القاهر في مواضع من دلائل الإعجاز.
وعلى ما ذكرناه هو الإسناد ، لا الكلام ، وهذا ظاهر ما نقله الشيخ أبو عمرو بن الحاجب (٢) رحمه الله عن الشيخ عبد القاهر ، وهو قول الزمخشري في الكشاف ، وقول غيره ، وإنما اخترناه لأن نسبة المسمى حقيقة أو مجازا إلى العقل على هذا لنفسه بلا وساطة شيء ، وعلى الأول لاشتماله على ما ينتسب إلى العقل ، أعني الإسناد.
ثم المجاز العقلي باعتبار طرفيه ـ أعني المسند والمسند إليه ـ أربعة أقسام لا غير :
__________________
(١) الزمخشري : هو العلامة جار الله ، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن أحمد بن عمر الأديب النحوي اللغوي الفقيه الشافعي الشهير بالزمخشري ، ولد سنة ٤١٧ ه ، وتوفي بجرجانية خوارزم سنة ٥٣٨ ه ، من تصانيفه : أساس البلاغة ، أمالي ، جواهر اللغة ، ديوان الرسائل ، ديوان شعر ، الرائض في الفرائض ، ربيع الأبرار وفصوص الأخبار ، في الأدب والنوادر ، شرح كتاب سيبويه ، صحيح العربية ، شقائق النعمان في مناقب النعمان الإمام أبي حنيفة ، الفائق في غريب الحديث ، فصوص الأخبار ، فصوص النصوص ، القسطاس في العروض ، المستقصى في الأمثال ، معجم الجدود ، المفصل في النحو ، المقامات ، نوابغ الكلم ، وغير ذلك. (كشف الظنون ٦ / ٤٠٢ ـ ٤٠٣).
(٢) أبو عمرو بن الحاجب : تقدمت ترجمته.