وكقوله : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) [الأعراف : الآية ٢٧] نسب النزغ ـ الذي هو فعل الله تعالى ـ إلى إبليس ، لأن سببه أكل الشجرة ، وسبب أكلها وسوسته ومقاسمته إياهما إنه لهما لمن الناصحين.
وكذا قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (٢٨) [إبراهيم : الآية ٢٨] نسب الإحلال الذي هو فعل الله إلى أكابرهم ، لأن سببه كفرهم ، وسبب كفرهم أمر أكابرهم إياهم بالكفر.
وكقوله تعالى : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) [المزمّل : الآية ١٧] نسب الفعل إلى الظّرف ؛ لوقوعه فيه ، كقولهم : «نهاره صائم».
وكقوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (٢) [الزّلزلة : الآية ٢].
وهو غير مختص بالخبر ، بل يجري في الإنشاء ، كقوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) [غافر : الآية ٣٦] ، وقوله : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) [القصص : الآية ٣٨] ، وقوله : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) [طه : الآية ١١٧].
ولا بد من قرينة إما لفظية ، كما سبق في قول أبي النجم ؛ أو غير لفظي ، كاستحالة صدور المسند من المسند إليه المذكور ، أو قيامه به عقلا ، كقولك : محبتك جاءت بي إليك» أو عادة ، كقولك : «هزم الأمير الجند» و «كسا الخليفة الكعبة» و «بنى الوزير القصر» وكصدور الكلام من الموحّد في مثل قوله : «أشاب الصغير» البيت.
واعلم أنه ليس كل شيء يصلح لأن تتعاطى فيه المجاز العقلي بسهولة ، بل تجدك في كثير من الأمر تحتاج إلى أن تهيّىء الشيء ، وتصلحه له ، بشيء تتوخّاه في النظم ، كقول من يصف جملا :
تجوب له الظلماء عين كأنها |
|
زجاجة شرب غير ملأى ولا صفر (١) |
يريد أنه يهتدي بنور عينه في الظلماء ، ويمكنه بها أن يخرقها ، ويمضي فيها ، ولولاها لكانت الظلماء كالسّد الذي لا يجد السائر شيئا يفرّجه به ، ويجعل لنفسه فيه سبيلا ، فلولا أنه قال : «تجوب له» فعلّق «له» بـ «تجوب» لما تبين جهة التجوّز في جعل الجوب فعلا للعين كما ينبغي ، لأنه لم يكن حينئذ في الكلام دليل على أن اهتداء صاحبها في الظّلمة ومضيّه فيها بنورها ، وكذلك لو قال : «تجوب له الظلماء عينه» لم يكن له هذا الموقع ، ولا نقطع السّلك ؛ من حيث كان يعييه حينئذ أن يصف العين بما وصفها به.
__________________
(١) البيت من الطويل ، ولم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.