يختص الفعل بالحي القادر ، دون الجماد ، وذلك مما لا يشك في بطلانه.
وقال السكاكي : «الحقيقة العقلية هي الكلام المفاد به ما عند المتكلم من الحكم فيه».
وقال : وإنما قلت : «ما عند المتكلم» دون أن أقول : «ما عند العقل» ليتناول كلام الجاهل إذا قال : «شفى الطبيب المريض» رائيا شفاء المريض من الطبيب ، حيث عدّ منه حقيقة ، مع أنه غير مفيد لما في العقل من الحكم فيه.
وفيه نظر ؛ لأنه غير مطرد ، لصدقه على ما لم يكن المسند فيه فعلا ، ولا متصلا به ، كقولنا : «الإنسان حيوان» مع أنه لا يسمّى حقيقة ولا مجازا ، ولا منعكس ، لخروج ما يطابق الواقع دون اعتقاد المتكلم ، وما لا يطابق شيئا منهما منه ، مع كونهما حقيقتين عقليتين كما سبق.
وقال : «المجاز العقلي هو الكلام المفاد به خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه لضرب من التأوّل ، إفادة للخلاف ، لا بواسطة وضع ، كقولك : أنبت الربيع البقل ، وشفى الطبيب المريض ، وكسا الخليفة الكعبة».
قال : وإنما قلت : خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه ، دون أن أقول : خلاف ما عند العقل ؛ لئلا يمتنع طرده بما إذا قال الدهري ـ عن اعتقاد جهل ـ أو جاهل غيره : أنبت الربيع البقل ، رائيا إنباته من الربيع ، فإنه لا يسمى كلامه مجازا ، وإن كان بخلاف العقل في نفس الأمر ، واحتجّ ببيت الحماسة وقول أبي النجم على ما تقدم.
ثم قال : ولئلا يمتنع عكسه بمثل «كسا الخليفة الكعبة» و «هزم الأمير الجند» فليس في العقل امتناع أن يكسو الخليفة نفسه الكعبة ، ولا أن يهزم الأمير وحده الجند ، ولا يقدح ذلك في كونهما من المجاز العقلي.
وإنما قلت لضرب من التأوّل ؛ ليحترز به عن الكذب ، فإنه لا يسمى مجازا ، مع كونه كلاما مفيدا خلاف ما عند المتكلم.
وإنما قلت : إفادة للخلاف لا بواسطة وضع ؛ ليحترز به عن المجاز اللغوي في صورة ، وهي إذا ادّعي أن «أنبت» موضوع لاستعماله في القادر المختار ، أو وضع لذلك.
وفيه نظر ؛ لأنا لا نسلم بطلان طرده بما ذكر ؛ لخروجه بقوله : «لضرب من التأول» ولا بطلان عكسه بما ذكر ؛ إذ المراد بخلاف ما عند العقل خلاف ما في نفس الأمر.
وفي كلام الشيخ عبد القاهر إشارة إلى ذلك ؛ حيث عرّف الحقيقة العقلية بقوله :