وقولنا : «بتأوّل» يخرج نحو قول الجاهل : «شفى الطبيب المريض» ؛ فإن إسناده الشفاء إلى الطبيب ليس بتأوّل.
ولهذا لم يحمل نحو قول الشاعر الحماسيّ :
أشاب الصغير وأفنى الكبي |
|
ر كرّ الغداة ؛ ومرّ العشي (١) |
على المجاز ، ما لم يعلم أو يظنّ أن قائله لم يرد ظاهره.
كما استدلّ على أن إسناد «ميّز» إلى «جذب الليالي» في قول أبي النّجم (٢) :
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي |
|
عليّ ذنبا كله لم أصنع |
من أن رأت رأسي كرأس الأصلع |
|
ميّز عنه قنزعا عن قنزع |
جذب الليالي : أبطئي ، أو أسرعي |
مجاز بقوله عقيبه :
أفناه قيل الله للشمس : اطلعي |
|
حتى إذا واراك أفق فارجعي |
وسمّي الإسناد في هذين القسمين من الكلام عقليا ؛ لاستناده إلى العقل ، دون الوضع ؛ لأن إسناد الكلمة شيء يحصل بقصد المتكلم ، دون واضع اللغة ، فلا يصير «ضرب» خبرا عن «زيد» بواضع اللغة ، بل بمن قصد إثبات الضرب فعلا له ، وإنما الذي يعود إلى واضع اللغة أن «ضرب» لإثبات الضرب لا لإثبات الخروج ، وأنه لإثباته في زمان ماض ، وليس لإثباته في زمان مستقبل ، فأما تعيين من ثبت له ، فإنما يتعلق بمن أراد ذلك من المخبرين.
ولو كان لغويا لكان حكمنا بأنه مجاز في مثل قولنا : «خطّ أحسن مما وشّى الرّبيع» من جهة أن الفعل لا يصح إلا من الحي القادر ـ حكما بأن اللغة هي التي أوجبت أن
__________________
وللكميت في أساس البلاغة (عفو) ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في لسان العرب (فور) ، ومقاييس اللغة ٤ / ٥٧ ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٢٨ ، وأساس البلاغة (زبن).
(١) البيت من المتقارب ، وهو للصلتان العبدي في المصباح لابن مالك ص ١٤٤ ، وأسرار البلاغة ص ٢٤٤.
(٢) الرجز لأبي النجم في تلخيص الشواهد ص ٢٨١ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٥٩ ، والدرر ٢ / ١٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤ ، ٤٤١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٤٤ ، وشرح المفصل ٦ / ٩٠ ، والكتاب ١ / ٨٥ ، والمحتسب ١ / ٢١١ ، ومعاهد التنصيص ١ / ١٤٧ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٠١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٢٤ ، وتاج العروس (خير) ، وبلا نسبة في الأغاني ١٠ / ١٧٦ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٠ ، ٦ / ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، والخصائص ٢ / ٦١ ، وشرح المفصل ٢ / ٣٠ ، والكتاب ١ / ١٢٧ ، ١٣٧ ، ١٤٦ ، والمقتضب ٤ / ٢٥٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٩٧.