وأنها ـ لما عرفت من شدّة شكيمته وقوة عزيمته ـ تنساق في الجهة التي يريدها ، وقوله : «بالضرب قد دمّاها» تورية حسنة ، ويؤكد أمرها قوله : «صلب العصا».
الثالثة : المطلوب بها نسبة ، كقول زياد الأعجم :
إن السّماحة والمروءة ، والنّدى |
|
في قبّة ضربت على ابن الحشرج (١) |
فإنه حين أراد أن لا يصرح بإثبات هذه الصفات لابن الحشرج جمعها في قبّة ؛ تنبيها بذلك على أن محلّها ذو قبّة ، وجعلها مضروبة عليه ؛ لوجود ذوي قباب في الدنيا كثيرين ؛ فأفاد إثبات الصفات المذكورة له بطريق الكناية.
ونظيره قولهم : «المجد بين ثوبيه ، والكرم بين برديه».
قال السكاكي : وقد يظنّ هذا من قسم «زيد طويل نجاده» وليس بذاك ؛ فـ «طويل نجاده» ـ بإسناد الطويل إلى النجاد ـ تصريح بإثبات الطول للنجاد ، وطول النجاد كما تعرف قائم مقام طول القامة ، فإذا صرح من بعد بإثبات النجاد لزيد بالإضافة ؛ كان ذلك تصريحا بإثبات الطول لزيد ، فتأمل. وقول الآخر :
والمجد يدعو أن يدوم لجيده |
|
عقد مساعي ابن العميد نظامه (٢) |
فإنه شبّه المجد بإنسان بديع الجمال ، في ميل النفوس إليه ، وأثبت له جيدا على سبيل الاستعارة التخييلية ، ثم أثبت لجيده عقدا ، ترشيحا للاستعارة ، ثم خصّ مساعي ابن العميد بأنها نظامه ، فنبه بذلك على اعتنائه خاصة بتزيينه ، وبذلك على محبته وحده له ، وبها على اختصاصه به ، ونبّه بدعاء المجد أن يدوم لجيده ذلك العقد على طلبه دوام بقاء ابن العميد ، وبذلك على اختصاصه به. وكقول أبي نواس :
فما جازه جود ، ولا حلّ دونه |
|
ولكن يصير الجود حيث يصير (٣) |
فإنه كنى عن جميع الجود بأن نكّره ، ونفى أن يجوز ممدوحه ويحل دونه فيكون متوزعا ، يقوم منه شيء بهذا وشيء بهذا ، وعن إثباته له بتخصيصه بجهته بعد تعريفه باللام التي تفيد العموم ، ونظيره قولهم : «مجلس فلان مظنّة الجود والكرم» هذا قول السكاكي.
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو في الأغاني ١٠ / ١٤٨ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٣٠ ، ودلائل الإعجاز ص ٢٣٧ ، ومفتاح العلوم ص ١٩٢ ، والإيضاح ص ٣٢٤ ، والطراز ١ / ٤٢٢.
(٢) الرجز في مفتاح العلوم ص ١٧٢.
(٣) البيت من الطويل ، وهو في ديوان أبي نواس ص ١٨٦ ، ودلائل الإعجاز ص ٢٣٩ ، والطراز ١ / ٤٢٣.