وقد يجتمع التجريد والترشيح كما في قول زهير :
لدى أسد شاكي السلاح مقذّف |
|
له لبد أظفاره لم تقلّم (١) |
والترشيح : أبلغ من التجريد ؛ لاشتماله على تحقيق المبالغة ، ولهذا كان مبناه على تناسي التشبيه حتى إنه يوضع الكلام في علوّ المنزلة وضعه في علوّ المكان ، كما قال أبو تمام :
ويصعد حتى يظنّ الجهول |
|
بأن له حاجة في السماء (٢) |
فلو لا أن قصده أن يتناسى التشبيه ، ويصمم على إنكاره فيجعله صاعدا في السماء من حيث المسافة المكانية ؛ لما كان لهذا الكلام وجه.
وكما قال ابن الرومي :
يا آل نوبخت لا عدمتكم |
|
ولا تبدّلت بعدكم بدلا (٣) |
إن صحّ علم النجوم ؛ كان لكم |
|
حقا إذا ما سواكم انتحلا |
كم عالم فيكم وليس بأن |
|
قاسى ولكن بأن رقى فعلا! |
أعلاكم في السماء مجدكم |
|
فلستم تجهلون ما جهلا |
شافهتم البدر بالسؤال عن ال |
|
أمر إلى أن بلغتم زحلا |
وكما قال بشار :
أتتني الشمس زائرة |
|
ولم تك تبرح الفلكا (٤) |
وكما قال أبو الطيّب :
كبّرت حول ديارهم لما بدت |
|
منها الشموس وليس فيها المشرق (٥) |
وكما قال : [أبو الطيب المتنبي]
ولم أر قبلي من مشى البدر نحوه |
|
ولا رجلا قامت تعانقه الأسد (٦) |
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو في ديوان زهير بن أبي سلمى ص ٢٤ ، ولسان العرب (قذف) ، (مكن) ، وتهذيب اللغة ٩ / ٧٦ ، وجمهرة اللغة ص ٩٧٤ ، وتاج العروس (قذف).
(٢) البيت من المتقارب ، وهو في ديوان أبي تمام ٤ / ٣٤ ، وأسرار البلاغة ص ٣٤٤.
(٣) الأبيات من المنسرح ، وهي في أسرار البلاغة ص ٣٤٤ ، ٣٤٥ ، وأنوار الربيع ص ٧٧.
(٤) البيت من مجزوء الوافر ، وهو في ديوان بشار بن برد ص ١٧١ ، وأسرار البلاغة ص ٣٥٤ ، والإشارات والتنبيهات ص ٢٠٣.
(٥) البيت من الكامل ، وهو في ديوان المتنبي ١ / ٧٢.
(٦) البيت لم أجده في ديوان المتنبي (طبعة دار الكتب العلمية).