به التخاطب ، ولا في غيره ، كلفظة «الأسد» في الرجل الشجاع. وقولنا : «في اصطلاح به التخاطب» احتراز عن القسم الآخر من المجاز.
وهو ما استعمل فيما وضع له لا في اصطلاح به التخاطب ، كلفظ «الصلاة» يستعمله المخاطب بعرف الشرع في الدعاء مجازا. والوضع تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه.
فقولنا «بنفسه» احتراز من تعيين اللفظ للدلالة على معنى بقرينة ، أعني المجاز ؛ فإن ذلك التعيين لا يسمى وضعا.
ودخل المشترك في الحدّ ؛ لأن عدم دلالته على أحد معنييه بلا قرينة لعارض ـ أعني الاشتراك ـ لا ينافي تعيينه للدلالة عليه بنفسه.
وذهب السكاكي إلى أن المشترك ـ كالقرء ـ معناه الحقيقي هو ما لا يتجاوز معنييه ، كالطّهر والحيض ، غير مجموع بينهما.
قال : فهذا ما يدلّ عليه بنفسه ما دام منتسبا إلى الوضعين ، أما إذا خصصته بواحد ـ إما صريحا ، مثل أن يقول : «القرء بمعنى الطهر» وإما استلزاما ، مثل أن تقول : «القرء لا بمعنى الحيض» ـ فإنه حينئذ ينتصب دليلا دالا بنفسه على الطهر بالتعيين ، كما كان الواضع عيّنه بإزائه بنفسه.
ثم قال في موضع آخر : وأما ما يظنّ بالمشترك من الاحتياج إلى القرينة في دلالته على ما هو معناه ؛ فقد عرفت أن منشأ هذا الظنّ عدم تحصيل معنى المشترك الدائر بين الوضعين.
وفيما ذكره نظر ؛ لأنّا لا نسلّم أن معناه الحقيقي ذلك ، وما الدليل على أنه عند الإطلاق يدل عليه؟ ثم قوله : «إذا قيل : القرء بمعنى الطهر أو لا بمعنى الحيض ، فهو دالّ بنفسه على الطهر بالتعيين ، سهو طاهر ؛ فإن القرينة كما تكون معنويّة تكون لفظيّة ، وكل من قوله : «بمعنى الطهر» وقوله «لا بمعنى الحيض» قرينة. وقيل : دلالة اللفظ على معناه لذاته.
وهو ظاهر الفساد ؛ لاقتضائه أن يمنع نقله إلى المجاز ، وجعله علما ، ووضعه للمتضادّين ، كالجون للأسود والأبيض ، فإن ما بالذّات لا يزول بالغير ؛ ولاختلاف اللغات باختلاف الأمم.
وتأوّله السكاكي رحمه الله على أنه تنبيه على ما عليه أئمة علمي الاشتقاق والتصريف ، من أن للحروف في أنفسها خواصّ بها تختلف ، كالجهر والهمس ، والشدّة