والشمس كالمرآة في كفّ الأشل (١)
من الهيئة الحاصلة من الاستدارة ، مع الإشراف ، والحركة السريعة المتصلة ، ما يحصل في الإشراف بسبب تلك الحركة ، من التموّج والاضطراب ، حتى يرى الشعاع كأنه يهمّ بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة ، ثم يبدو له فيرجع من الانبساط الذي بدا له إلى الانقباض ، كأنه يجتمع من الجوانب إلى الوسط ؛ فإن الشمس إذا أحدّ الإنسان النظر إليها ليتبين جرمها وجدها مؤدّية لهذه الهيئة ، وكذا المرآة إذا كانت في يد الأشلّ.
ومثله قول المهلّبي الوزير [الحسن بن محمد](٢)
والشمس من مشرقها قد بدت |
|
مشرقة ليس لها حاجب (٣) |
كأنها بوتقة أحميت |
|
يجول فيها ذهب ذائب |
فإن البوتقة إذا أحميت ، وذاب فيها الذهب ، تشكّل بشكلها في الاستدارة وأخذ يتحرك فيها بجملته تلك الحركة العجيبة ، كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض من جوانبها ؛ لما في طبعه من النعومة ، ثم يبدو له فيرجع إلى الانقباض ؛ لما بين أجزائه من شدة الاتصال والتلاحم ؛ ولذلك لا يقع فيه غليان على الصفة التي تكون في الماء ونحوه مما يتخلله الهواء.
وكما في قول الصنوبري :
كأن في غدرانها |
|
حواجبا ظلّت تمطّ (٤) |
أراد ما يبدو في صفحة الماء من أشكال الماء كأنصاف دوائر صغار ثم تمتد امتدادا ينقص من انحنائها ، فينقلها من التقوّس إلى الاستواء ، وذلك أشبه شيء بالحواجب إذا امتدّت ، لأن للحاجب كما لا يخفى تقويسا ، ومدّه ينقص من تقويسه.
والوجه الثاني : أن تجرّد هيئة الحركة عن كلّ وصف غيرها للجسم ؛ فهناك أيضا لا
__________________
(١) الرجز لجبار بن ضرار ابن أخي الشماخ في أسرار البلاغة ص ٢٠٧ ، وديوان المعاني ١ / ٣٥٩.
(٢) الوزير المهلبي : هو الحسن بن محمد بن هارون بن إبراهيم بن عبد الله المهلبي ، أبو محمد الوزير لمعز الدولة بن بويه الديلمي ، ولد بالبصرة سنة ٢٩١ ه ، وتوفي في طريق واسط وحمل ودفن ببغداد سنة ٣٥٢ ه ، صنف ديوان الرسائل ، ديوان شعره ، كتاب في أصول النحو ، كتاب اللغة في مخارج الحروف. (كشف الظنون ٥ / ٢٧٠).
(٣) البيتان من السريع ، وهما في يتيمة الدهر ٢ / ٢٠٢.
(٤) البيت من مجزوء الرجز ، وهو في أسرار البلاغة ص ١٥٨.