وقال الشيخ عبد القاهر : ليست الواو فيهما للحال ، بل هي للعطف و «أصك» و «أرهن» بمعنى «صككت» و «رهنت» ولكن الغرض من إخراجهما على لفظ الحال أن يحكيا الحال في أحد الخبرين ، ويدعا الآخر على أصله ، كما في قوله :
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني |
|
فمضيت ، ثمّت قلت : لا يعنيني (١) |
يبين ذلك أن الفاء قد تجيء مكان الواو في مثله ، كما في خبر عبد الله بن عتيك ؛ فإنه ذكر دخوله على أبي رافع اليهوديّ حصنه ، ثم قال : «فانتهيت إليه ؛ فإذا هو في بيت مظلم ، لا أدري أين هو من البيت؟ قلت : أبا رافع ، قال : من هذا؟ فأهويت نحو الصوت ، فأضربه بالسيف ، وأنا داهش» فإن قوله : «فأضربه» مضارع عطفه بالفاء على ماض ؛ لأنه في المعنى ماض.
وإن كان الفعل مضارعا منفيّا ، فيجوز فيه الأمران من غير ترجيح ؛ لدلالته على المقارنة لكونه مضارعا ، وعدم دلالته على الحصول لكونه منفيا.
أما مجيئه بالواو فكقراءة ابن ذكوان : (فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِ) [يونس : الآية ٨٩] بتخفيف النون ، وقول بعض العرب : «كنت ولا أخشى بالذيب» وقول مسكين الدارمي :
أكسبته الورق البيض أبا |
|
ولقد كان ولا يدعى لأب (٢) |
وقول مالك بن رفيع وكان قد جنى جناية ، فطلبه مصعب بن الزبير :
بغاني مصعب وبنوا أبيه |
|
فأين أحيد عنهم؟ لا أحيد (٣) |
أقادوا من دمي ، وتوعّدوني |
|
وكنت وما ينهنهني الوعيد |
وأما مجيئه بغير واو فكقوله تعالى : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) [المائدة : الآية ٨٤] ، وقول عكرمة العبسي :
مضوا لا يريدون الرّواح وغالهم |
|
من الدهر أسباب جرين على قدر (٤) |
وقول خالد بن يزيد بن معاوية :
لو أنّ قوما لارتفاع قبيلة |
|
دخلوا السماء ، دخلتها ، لا أحجب (٥) |
__________________
(١) تقدم البيت مع تخريجه.
(٢) البيت من الرمل ، وهو لمسكين الدارمي في ديوانه ص ٢٢ ، وسمط اللآلي ص ٣٥٢ ، وشرح التصريح ١ / ٣٩٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٩٣ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٥٧.
(٣) البيتان من الوافر ، وهما لمالك بن رقبة في شرح التصريح ١ / ٣٩٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٩٢ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٥٧.
(٤) البيت من الطويل ، وهو في الحماسة ١ / ١٤٤ ، ودلائل الإعجاز ص ١٦١ ، والمفتاح ص ١١٩.
(٥) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٥٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٩١.