لصاحب وقد رأيت شبحا من بعيد : «ما هو إلا زيد» إذا وجدته يعتقده غير زيد ،
ويصر على الإنكار ، وعليه قوله تعالى : (وَما مِنْ إِلهٍ
إِلَّا اللهُ) [آل عمران : الآية ٦٢].
وقد ينزّل
المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب ، فيستعمل له الثاني.
إفرادا نحو (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران : الآية ١٤٤] أي أنه صلّى الله عليه وسلّم مقصور على الرسالة لا
يتعدّاها إلى التبري من الهلاك ، نزّل استعظامهم هلاكه منزلة إنكارهم إياه ، ونحوه
(وَما أَنْتَ
بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (٢٣) [فاطر : الآيتان ٢٢ ، ٢٣] فإنه صلّى الله عليه وسلّم كان لشدة حرصه
على هداية الناس يكرر دعوة الممتنعين عن الإيمان ، ولا يرجع عنها ، فكان في معرض
من ظنّ أنه يملك مع صفة الإنذار إيجاد الشيء فيما يمتنع قبوله إيّاه.
أو قلبا ؛
كقوله تعالى حكاية عن بعض الكفار : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُنا) [إبراهيم : الآية ١٠] أي أنتم بشر لا رسل ، نزّلوا المخاطبين منزلة من ينكر
أنه بشر ، لاعتقاد القائلين أن الرسول لا يكون بشرا مع إصرار المخاطبين على دعوى
الرسالة ، وأما قوله تعالى حكاية عن الرسل : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [إبراهيم : الآية ١١] فمن مجاراة الخصم للتبكيت والإلزام والإفحام ؛ فإن من
عادة من ادّعى عليه خصمه الخلاف في أمر هو لا يخالف فيه أن يعيد كلامه على وجهه ،
كما إذا قال لك من يناظرك : «أنت من شأنك كيت وكيت» فتقول : «نعم أنا من شأني كيت
وكيت ، ولكن لا يلزمني من أجل ذلك ما ظننت أنه يلزم» فالرسل عليهم السّلام كأنهم
قالوا : إن ما قلتم من أنّا بشر مثلكم هو كما قلتم لا ننكره ، ولكن ذلك لا يمنع أن
يكون الله تعالى قد منّ علينا بالرسالة.
وأصل الثالث أن
يكون ما استعمل له مما يعلمه المخاطب ولا ينكره ، على عكس الثاني ، كقولك : «إنما
هو أخوك» و «إنما هو صاحبك القديم» لمن يعلم ذلك ويقرّ به ، وتريد أن ترقّقه عليه
، وتنبهه لما يجب عليه من حق الأخ وحرمة الصاحب ، وعليه قول أبي الطيب :
إنما أنت
والد ، والأب القا
|
|
طع أحنى من
واصل الأولاد
|
لم يرد أن يعلم
كافورا أنه بمنزلة الوالد ، ولا ذاك مما يحتاج كافور فيه إلى الإعلام. ولكنه أراد
أن يذكّره منه بالأمر المعلوم ؛ ليبني عليه استدعاء ما يوجبه.
وقد ينزّل
المجهول منزلة المعلوم ؛ لادعاء المتكلم ظهوره ؛ فيستعمل له الثالث ،
__________________