أي ذلك الغير (١) [الأولى بحاله (٢) أو المهمّ له (٣) ، كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ)(١)] سألوا عن سبب اختلاف القمر في زيادة النّور ونقصانه ،
______________________________________________________
(١) أي السّؤال الّذي هو غير سؤاله.
(٢) بحال السّائل إمّا لعدم أهليّته لجواب ما يسأل أو لعدم الفائدة فيه بالنّسبة إليه.
(٣) أي للسّائل ، عطف «المهمّ» على «الأولى» من عطف الملزوم على اللّازم لأنّ كونه هو المهمّ يستلزم كونه أولى ، أي أنسب بحاله دون العكس ، لأنّ الشّيء قد يكون أولى بالحال على تقدير التّوجّه لطلبه ، ولا يكون في نفسه من جملة المهمّات.
(٤) (الْأَهِلَّةِ) جمع هلال ، يقال هلال إلى ثلاثة ليال ، وبعده القمر ، وسمّيت الهلال هلالا ، لأنّ النّاس يهلّون عند رؤيته.
ومحلّ الشّاهد هو قوله تعالى : (هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) حيث إنّه جواب ببيان الثّمرة ، والحكمة المترتّبة على اختلاف نور القمر ، لأنّ الاختلاف هو ما يتحقّق به نهاية كلّ شهر ، فيتعيّن به الوقت للحجّ والصّيام ووقت الحرث وآجال الدّين ، وغير ذلك ، ولم يجاب بالسّبب الّذي هو أنّ القمر جسم أسود مظلم ونوره مستفاد من نور الشّمس ، ولذا يختلف بالقرب والبعد من الشّمس.
والحاصل : إنّهم سألوا عن السّبب الفاعل المؤثّر في اختلاف نور القمر زيادة ونقصانا ، وكان الجواب بالسّبب الغائي ، فكان الجواب بغير ما يطلب السّائل ، فكان الكلام على خلاف مقتضى الظّاهر.
فقد روي أنّ جمعا من الأنصار سألوا عن السّبب في اختلاف نور القمر زيادة ونقيصة ، حيث قالوا : ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ، ثمّ تتزايد قليلا حتّى يمتلئ ويستوي ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ ، لا يكون على حالة واحدة ، فأجيبوا ببياض الغرض من هذا الاختلاف ، وهو أنّ الأهلّة بحسب ذلك الاختلاف معالم يوقت بها النّاس أمورهم من المزارع والمتاجر ونحوهما.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٨٩.