للإنزال (١) [أنزلناه] أي القرآن [وبالحقّ نزّل] حيث لم يقل : وبه نزّل (٢) [أو إدخال الرّوع (٣)] عطف على زيادة التّمكّن ، [في ضمير (٤) السّامع وتربية المهابة (٥)] عنده
______________________________________________________
(١) الحكمة لغة هي المبالغة في العلم ، واصطلاحا هي استكمال النّفس الإنسانيّة بتصوّر الأمور والتّصديق بالحقائق النّظريّة والعمليّة على قدر الطّاقة البشريّة ، والمراد بها هنا ما يشتمل على صلاح المعاش والمعاد ، وسمّاها حقّا ، لأنّها حقّ ثابت في الواقع ، ثمّ الوجه لاقتضائها إنزال الكتب أنّ الإنسان مدنيّ بالطّبع ، يحتاج إلى التّعاون ، فلا يتمّ أمر معاشه إلّا إذا كان بينهم معاملة وعدل ، لأنّ كلّ إنسان كتلة من الغرائز ، مثل غريزة السّيطرة والتّملّك ، وغريزة شهوة البطن والفرج ، وكلّ واحدة منها تتطلّب من صاحبها الإشباع بأيّة وسيلة من الوسائل ولو بطريقة تبعث على الضّرر بمجموعة كبيرة من بني البشر ، فلولا إنزال الكتب وإرسال الرّسل وهدايتهم إلى ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم لتفسخ المجتمع الإنساني ، وتحكم عليه الفوضى.
(٢) مع أنّه مقتضى الظّاهر لتقدّم المرجع ، وتوضيح ذلك : أنّ كون هذا المثال من قبيل المظهر موضع المضمر ، إنّما يتمّ إذا كان المراد من الحقّين معنى واحد ، كما يدلّ عليه قاعدة إعادة المعرفة معرّفا ، وأمّا إذا كان المراد من الحقّ الثّاني الأوامر والنّواهي على ما قيل ، فلا يكون ممّا نحن فيه ، لأنّ كلا من الحقّين له معنى على حدة.
فالمتحصّل من الجميع أنّ الحقّ الثّاني هو عين الحقّ الأوّل ، فكان مقتضى الظّاهر أن يقال :
وبه نزّل ، فعدل عنه إلى الاسم الظّاهر لزيادة التّمكين ، لأنّ المقام مقام تقرير حكمة الإنزال لئلّا يتوهّم أنّ نزولها لا حكمة فيه.
(٣) قوله : «الرّوع» بفتح الرّاء بمعنى الخوف ، وبضمّ الرّاء بمعنى القلب ، فحينئذ كان الأولى أن يقول : في روع السّامع ، بضمّ الرّاء بدل «في ضمير السّامع».
(٤) أي في قلب السّامع.
(٥) أي تقوية الخوف النّاشئ عن إجلال المتكلّم وعظمته عند السّامع ، فالمراد من تربية المهابة زيادتها ، وإنّما عطف بالواو المفيدة للجمع بين الأمرين ، لقرب الأوّل ، أي إدخال الرّوع من الثّاني ، أي من تربية المهابة ، لأنّ الخوف من الشّيء يستلزم الإجلال والتّعظيم كالخوف في قلوب النّاظرين للملوك والسّلاطين ، وكيف كان فالجمع بينهما أبلغ في المقصود.