بلفظ (١) المضارع بعد قوله تعالى : (الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) [استحضارا لتلك الصّورة البديعة الدالّة على القدرة الباهرة (٢)] يعني إثارة صورة السّحاب (٣) مسخّرا بين السّماء والأرض على الكيفيّات المخصوصة والانقلابات المتفاوتة (٤). [وأما تنكيره] أي تنكير المسند [فلإرادة (٥) عدم الحصر
______________________________________________________
والشاهد فيه : قوله تعالى : (فَتُثِيرُ) حيث إنّ مقتضى الظّاهر كان التّعبير بالماضي ، أعني أثارت ، لأنّه قد عبّر عن الإرسال بالماضي قبله حيث قال : (أَرْسَلَ الرِّياحَ ،) وعن السّوق به بعده حيث قال : (فَسُقْناهُ) والمناسب أن يقال : أثارت لكن عدل عنه إلى المضارع استحضارا لصورة الإثارة البديعة.
(١) أي قال : تثير ، في موضع أثارت قصدا لإحضار تلك الصّورة لدلالة المضارع على الحضور في الجملة ، وإنّما قصد ذلك ، لأنّ النّفس تتسارع إلى إحضار الأمر العجيب وتسرّ به وتتوصل به بما أمكن.
(٢) أي الغالبة على كلّ قدرة.
(٣) أي صورة إثارة الله السّحاب بالرّياح ، فإسناد الإثارة إلى الرّياح في قوله تعالى : (فَتُثِيرُ) مجاز عقليّ ، ومن قبيل الإسناد إلى السّبب.
(٤) عطف تفسير للكيفيّات المخصوصة من كونه متّصل الأجزاء ، أو منقطعها متراكما أو غير متراكم بطيئا أو سريعا غليظا أو رقيقا ملونا بلون البياض ، أو الحمرة أو السّواد متحرّكا إلى اليمين أو اليسار ، أو الشّمال أو الجنوب ، أو الفوق أو التّحت ، وبالجملة إنّ الصّورة البديعة السّحابيّة هي بروز قطع السّحاب من حواشي الأفق حتّى تملئ دائرة السّماء بسير وتجمع واتّصال بعض ببعض على كيفيّة مخصوصة.
(٥) أي فلإرادة المتكلّم إفادة السّامع عدم حصر المسند في المسند إليه ، وعدم العهد والتّعيين في المسند حيث يقتضي المقام ذلك.
لم يقل : أما تنكيره فلعدم إرادة الحصر والعهد ، لأنّ عدم الإرادة ليس مقتضيا لشيء ، وإنّما المقتضي والمؤثّر هو الإرادة سواء كانت متعلّقة بالوجود أو بالعدم.
لا يقال : إنّ تعليل تنكير المسند بإرادة عدم الحصر والعهد عليل ، لأنّ إرادة عدم الحصر والعهد يمكن مع التّعريف ، لأنّه قد يكون لغير الحصر والعهد ، كقولك : أنت البطل المحاميّ ،