ممّا لا يحسن (١) فيه اعتبار التّخصيص عند من له معرفة بأساليب (٢) الكلام [ولهذا] أي ولأنّ التّخصيص لازم للتّقديم غالبا [يقال : في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) معناه نخصّك (٣) بالعبادة والاستعانة] بمعنى (٤) نجعلك من بين الموجودات مخصوصا بذلك (٥) ، لا نعبد ولا نستعين غيرك [وفي (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ)(١) (٦) معناه إليه تحشرون ، لا إلى غيره ، ويفيد] التّقديم
______________________________________________________
(١) قوله : «ممّا لا يحسن فيه اعتبار التّخصيص» نفي الحسن لا يستلزم نفي الصّحّة ، ولهذا حمل صاحب الكشّاف ، والقاضي قوله تعالى : (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) على التّخصيص ، أي لا تصلّوه إلّا الجحيم.
(٢) أي قواعده على ما صرّح به ابن الأثير في (المثل السّائر) حتّى ذكر أنّ التّقديم في (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لرعاية حسن النّظم السّجعي الّذي هو على حروف النّون لا للاختصاص على ما قاله الزّمخشريّ.
(٣) أي نفرّدك بالعبادة ، الباء داخلة على المقصور على ما اصطلحوا عليه ، وقد تدخل على المقصور عليه ، كقولك : الجرّ مختصّ بالاسم ، فإنّ الجرّ مقصور والاسم مقصور عليه ، والتّخصيص هنا حقيقي خارج عن قصر الإفراد والقلب والتّعيين ، فإنّها أقسام للإضافي ، كما سيأتي في بحث القصر إن شاء الله تعالى.
(٤) إشارة إلى أنّ الباء داخلة على المقصور.
(٥) أي المذكور من العبادة والاستعانة.
(٦) قال الله تعالى : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) والمعنى أخبر الله سبحانه عباده بأنّكم سواء متّم أو قتلتم ترجعون وتحشرون إلى الله ، فيجزى كلّ منكم لما يستحقّه.
الشّاهد :
في تقديم المجرور على متعلّقه لبيان اختصاص المتعلّق به ، وكلام أئمّة الأدب في تفسير الآيتين دليل على أنّ التّقديم يفيد التّخصيص ، لأنّه لم توجد آلة من آلات للحصر غير التّقديم ، واعلم أنّ الاختصاص والقصر بمعنى واحد عند علماء المعاني.
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٥٨.