لأنّه (١) أراد أن (٢) يقول : أفناني النّحول فلم يبق منّي (٣) غير خواطر تجول (٤) فيّ ، حتّى لو شئت البكاء (٥)
______________________________________________________
يتصور إذا كان المبيّن ـ بالكسر ـ عين المبيّن ـ بالفتح ـ ، وما في البيت ليس كذلك ، لأنّ المراد بالأوّل هو البكاء الحقيقي ، فلا يصحّ بيانه بالثّاني.
والحاصل إنّ المصنّف لما ذكر أنّ مفعول فعل المشيئة يحذف للبيان بعد الإبهام ، ما لم يكن غريبا. يرد عليه بهذا البيت ، ويقال : إنّ المفعول فيه غير غريب ، ولم يحذف ، فأجاب بأنّه ليس ممّا فيه بيان بعد إبهام ، ويحصل الرّد على صدر الأفاضل أيضا ، كما لا يخفى.
والمتحصّل من الجميع إنّ ذكر مفعول المشيئة ليس لأجل غرابة تعلّق المشيئة به على كلا التّقديرين ، إذ لو كان المراد بالبكاء الأوّل البكاء التّفكّري لوجب أن يقول : لو شئت أن أبكي تفكّرا بكيت تفكّرا ، وذلك لغرابة تعلّق المشيئة بالبكاء التّفكّري.
(١) تعليل لما ذكره من أنّ المراد بالأوّل البكاء الحقيقي ، لا البكاء التّفكّري ، وحاصل التّعليل : إنّ الكلام مع إرادة البكاء الحقيقي من الأوّل أنسب بمراد الشّاعر ، وهو المبالغة في فنائه حتّى أنّه لم يبق فيه مادّة سوى التّفكّر ، حيث إنّه يكون المعنى على هذا التّقدير ، لو طلبت من نفسي بكاء لم أجده ، بل أجد التّفكّر بدله ، وأمّا لو كان المعنى لو شئت أن أبكي تفكّرا بكيته ، لم يفد أنّه لم يبق فيه إلّا التّفكّر ، لصحّة بكاء التّفكّر الّذي هو الحزن عند كثرته ، مع بقاء مادّة أخرى.
(٢) أي أفناني من الإفناء أي جعلني النّحول ، أي الهزال فانيا ، يعني أراد الشّاعر أن يقول :
أضعفني الحزن والهزال والضّعف.
(٣) أي فلم يبق الشّوق منّي غير خيالات ، وتفكّر تردّد في قلبي.
(٤) أي تردّد في قلبي ، أعني تذهب وتأتي.
(٥) أي البكاء الحقيقي ، أعني الدّمع.