فالحاصل إنّه (١) نزّل يرى ويسمع منزلة اللّازم ، أي من يصدر عنه السّماع
والرّؤية من غير تعلّق بمفعول مخصوص ، ثمّ جعلهما (٢) كنايتين عن الرّؤية والسّماع
المتعلّقين بمفعول مخصوص (٣) ، هو (٤) محاسنه وأخباره بادّعاء (٥) الملازمة بين
مطلق الرّؤية ورؤية آثاره ومحاسنه (٦) ، وكذا بين مطلق السّماع وسماع أخباره
للدّلالة (٧) على أنّ آثاره وأخباره بلغت من الكثرة والاشتهار إلى حيث يمتنع
إخفاؤها (٨) ، فأبصرها كلّ راء ، وسمعها كلّ واع ، بل (٩) لا يبصر الرّائي إلّا
تلك الآثار ، ولا يسمع الواعي إلّا تلك
______________________________________________________
وأذن يسمع بها ، كي يخفى استحقاقه للإمامة والإمارة ، فيجدوا بذلك سبيلا
إلى منازعته.
(١) أي
البحتري.
(٢) عطف على
قوله : «نزّل» أي جعل البحتري الفعلين كنايتين ، يعني جعل مطلق الرّؤية كناية عن
رؤية محاسنه وآثاره ، ومطلق السّماع كناية عن سماع أخباره للمبالغة في اشتهارها
وجلائها.
(٣) دلّت عليه
قرينة ، وهي هنا كون المقام مقام المدح.
(٤) أي المفعول
المخصوص محاسنه وأخباره ، لأنّ تعلّقهما به هو الّذي يوجب غيظ العدوّ لا مطلق وجود
رؤية وسماع.
(٥) متعلّق
بقوله : «جعلهما» ، أو متعلّق بقوله : «كنايتين» ، أي جعلهما كنايتين بواسطة
ادّعاء الملازمة بين مطلق الرّؤية ورؤية آثاره ومحاسنه ... وإنّما قال : «بادّعاء
الملازمة» لأنّ المطلق ليس ملزوما للمقيّد حتّى يستلزمه ، بل الملازمة بادّعاء
الملازمة.
وبعبارة أخرى
إنّما احتيج إلى هذا الادّعاء لأجل صحّة الكناية ، وإلّا فالمقيّد ليس لازما
للمطلق ، والدّليل على هذه الكناية جعلهما خبرا عن الشّجو والغيظ ، وقد عرفت أنّ
ما يوجبهما الرّؤية والسّماع المتعلّقين بالمفعول المخصوص ، لا هما مطلقين.
(٦) والضّمائر
في محاسنه وأخباره وآثاره ترجع إلى الممدوح وهو المعتزّ بالله.
(٧) علّة لقوله
: «جعلهما كنايتين» ، أو تعليل لقوله : «بادّعاء الملازمة».
(٨) فالضّمائر
في قوله : «إخفاؤها ، فأبصرها ، وسمعها» ترجع إلى الآثار والأخبار.
(٩) وجه
التّرقي إنّ الرّائي لو أبصر غير محاسنه أيضا ، إمّا منفردا أو مع محاسنه لا تصحّ
الكناية على الأوّل ، ولا يحصل المقصود على الثّاني.