ردّا لقولهم : (إِنَّا آمَنَّا) على أبلغ وجه وآكده (١) [كما في قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(١) (٢)] حيث لم يقل : (٣)
______________________________________________________
(١) بالمدّ عطف تفسير ل «أبلغ» و «على» متعلّق لقوله : «ردّا» ، يعني أنّهم ادّعوا إحداث الإيمان وثبوته ليروج عنهم ، فردّ عليهم ذلك بأنّهم مستمرّون على عدم الإيمان مع التّأكيد بالباء الزّائدة الدّاخلة في خبر الجملة الاسميّة ، أعني (بمؤمنين) فهي مفيدة لتأكيد النّفي لا نفي التّأكيد ، فالمعنى إيمانهم منفيّ نفيا مؤكّدا.
والمتحصّل ممّا ذكر أنّ الجملة الاسميّة بجزأيها ، كما إذا كانت مثبتة يقصد بها بحسب المقامات استمرار الثّبوت ، كذلك إذا كانت منفيّة يقصد بها بحسبها استمرار النّفي ، ويلزم من استمراره انتفاء الأحداث ، فهناك إثبات الشّيء ببيّنة ، ولو قيل : وما آمنوا ، لم يبلغ هذه المرتبة في الرّدّ.
(٢) (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) الآية ، يعني يفيد «لو يطيعكم» الاستمرار كما يفيد (يَسْتَهْزِئُ) ذلك ، وكما عدل إلى المضارع في قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) لقصد استمرار الفعل كذلك عدل إلى المضارع في نحو : (لَوْ يُطِيعُكُمْ) لقصد استمرار الفعل ، والفرق بين الاستمرارين أنّ الاستمرار في الاسميّة في الثّبوت ، والاستمرار في وضع المضارع موضع الماضي في التّجدد وقتا فوقتا.
لكنّ العدول هنا من الماضي إلى المضارع مع دخول لو على المضارع ، وههنا من اسم الفاعل إلى المضارع ، مع عدم دخول لو على المضارع ، ولو لا نكتة قصد استمرار الفعل لما عدل إلى المضارع في شيء منهما أصلا.
ثمّ المراد باستهزاء الله تعالى بالمنافقين لازمه ، وهو إنزال الهوان والحقارة بهم ، والمعنى : الله يجازي جزاء الاستهزاء.
(٣) فيه إشارة إلى تنظير هذه الآية بالآية السّابقة ، أعني (لَوْ يُطِيعُكُمْ) إنّما هو في مطلق العدول إلى المضارع ، وإن كان العدول هنا عن اسم الفاعل إلى المضارع ، وفيما سبق عن الماضي إلى المضارع ، وإنّما كان الأصل في المعدول عنه هنا اسم الفاعل ، لاقتضاء المقام إيّاه ، لمشاكلة ما وقع منهم ، لأنّهم قالوا : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ).
__________________
(١) سورة البقرة : ١٤ و ١٥.