والمتتبعون لتاريخ العربية فى العصر الحديث يعلمون أنها تعرضت لخطة مدروسة تستهدف القضاء عليها من خلال القضاء على نحوها ، وظلت هذه الخطة تعمل عملها حتى وقر فى أذهان الناس أن النحو العربى صار جامدا لا يساير العصر ، وأن علينا أن نبحث عن نحو جديد ، وظهرت إلى الوجود تجارب من هنا ومن هناك ماتت الواحدة منها بعد الأخرى وظل النحو العربى هو هو دون أن يصل المخططون إلى ما يبغون من القضاء عليه.
على أننا لا ينبغى أن ننكر أن طريقة تدريس النحو فى مدارسنا وفى جامعاتنا غير صالحة فى نقل ما وضعه النحاة إلى الناشئة والدارسين ، ولعل ضعف مدرس العربية ثمرة من ثمرات التخطيط الذى أشرنا إليه منذ قليل. فالعيب ـ فى الحق ـ ليس فى النحو العربى ولكنه يكمن فينا نحن لا جدال. ولقد رأينا شبابا من الأوربيين يتكلمون النحو العربى ويتقنونه ويرجعون فيه إلى مصادره الأولى ، كما نرى كل يوم أعدادا لا حصر لها ممن يمارس اللغة فيتقنها كتابة وضبطا وأداء.
والنحو أساس ضرورى لكل دراسة للحياة العربية ؛ فى الفقه والتفسير والأدب والفلسفة والتاريخ وغيرها من العلوم ، لأنك لا تستطيع أن تدرك المقصود من نص لغوى دون معرفة بالنظام الذى تسير عليه هذه اللغة. يقول عبد القاهر : «إن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذى يفتحها ، وأن الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرج لها ، وأنه المعيار الذى لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يعرض عليه ، والمقياس الذى لا يعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه ، ولا ينكر ذلك إلا من ينكر حسّه ، وإلا من غالط فى الحقائق نفسه (١)».
ونحن نؤمن بضرورة تدريس النحو فى جامعاتنا فى مظانه القديمة إلى جانب الدرس التطبيقى ، ولقد كان ذلك نهج القدماء ، قدموا لنا كتبا تضم أبواب النحو ، وتوفّر عدد منهم على معالجة النصوص معالجة نحوية تطبيقية ؛
__________________
(١) عبد القاهر الجرجانى. دلائل الاعجاز ـ مطبعة المنار ١٣٣١ ه. ص ٢٣.